فصل: 805- باب مَا جَاءَ لاَطَلاَقَ قَبْلَ النّكاح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


13- كتاب الطلاق واللعان

الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك، وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط‏.‏ وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي‏.‏ قال إمام الحرمين‏:‏ هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وفتحها أيضاً وهو أفصح وطلقت أيضاً بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهو خاص بالولادة‏.‏ والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقاً ساكنة اللام فهي طالق فيهما‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ واللعان مصدر لاعن يلاعن ملاعنة ولعاناً وهو مشتق من اللعن وهو الطرد والإبعاد لبعدهما من الرحمة أو لبعد كل منهما عن الاَخر ولا يجتمعان أبداً‏.‏ واللعان والإلتعان والملاعنة بمعنى، ويقال تلاعنا والتعنا ولا عن الحاكم بينهما، وهو شرعاً عبارة عن شهادات مؤكدة بالإيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه وحد الزنا في حقها إذا تلاعنا سقط حد القذف عنه وحد الزنا عنها‏.‏ كذا فسر العلماء الحنفية، والأصل فيه قوله تعالى ‏{‏والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين‏}‏‏.‏

800- باب مَا جَاءَ في طَلاَقِ السّنّة

‏(‏باب ما جاء في طلاق السنة‏)‏ قال الإمام البخاري في صحيحه‏:‏ طلاق السنة أن يطلقها طاهراً من غير جماع ويشهد شاهدين‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ روى الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ قال‏:‏ في الطهر من غير جماع، وأخرجه عن جمع من الصحابة ومن بعدهم كذلك

1171- حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدثنا حَمّادُ بنَ زَيْدٍ عنْ أَيّوبَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ سِيرِينَ، عنْ يُونُسَ بنِ جُبَيْرٍ قالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابنَ عُمَرَ عنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ‏.‏ فقَالَ‏:‏ هَلْ تَعْرِفُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ‏؟‏ فَإِنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وهِيَ حَائِضٌ‏.‏ فَسَأَلَ عُمَرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهُ أنْ يُرَاجِعَهَا‏.‏

قالَ‏:‏ قلت‏:‏ فَيُعْتَدّ بِتِلكَ التّطْلِيقَةِ‏؟‏ قالَ‏:‏ فَمَهْ‏.‏ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ‏؟‏‏.‏

1172- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عنْ سُفْيَانَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ مَوْلَى آل طَلْحَةَ، عنْ سَالِمٍ، عنْ أبِيهِ أنّهُ طَلّقَ امْرَأَتهُ في الْحَيْضِ‏.‏ فَسأَل عُمَرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ‏:‏ ‏"‏مُرْهُ فَلْيراجِعْهَا‏.‏ ثمّ ليُطلّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ يُونسَ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وكَذَلِكَ حديثُ سَالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ هذَا الحَديثُ منْ غَيْرِ وجهٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرهْمِ، أنّ طَلاَقَ السّنّةِ، أنْ يُطلّقَها طاهِراً مِنْ غَيْرِ جمَاعٍ‏.‏ وقالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنْ طَلّقَهَا ثَلاَثاً وهِيَ طَاهِرٌ، فَإنّهُ يَكُونُ لِلسّنّةِ أيْضاً‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ بن حنبل وقالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لاَ تَكُونُ ثَلاَثاً لِلسّنّةِ، إلاّ أَنْ يُطَلّقَهَا وَاحِدَةً واحِدةً‏.‏

وهُوَ قَوْلُ سفيان الثّوْرِيّ وإسحَاقَ‏.‏ وقَالُوا ‏(‏فِي طَلاقِ الحَامِلِ‏)‏‏:‏ يُطَلّقُهَا مَتَى شَاءَ‏.‏ وهُوَ قَولُ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُطَلّقُهَا عِنْدَ كلّ شَهْرِ تَطْليقَةٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي حائض‏)‏ قيل هذه جملة من المبتدأ والخبر فالمطابقة بينهما شرط، وأجيب بأن الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة إليها‏.‏ كذا في عمدة القاري‏.‏ ‏(‏فقال‏)‏ أي ابن عمر رضي الله عنه ‏(‏هل تعرف عبد الله بن عمر‏)‏ إنما قال له ذلك مع أنه يعرفه وهو الذي يخاطبه ليقرره على اتباع السنة وعلى القبول من ناقلها، وأنه يلزم العامة الإقتداء بمشاهير العلماء فقرره على ما يلزمه من ذلك، لا أنه ظن أنه لا يعرفه‏.‏ قاله الحافظ وغيره، ‏(‏فإنه‏)‏ أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه ‏(‏طلق امرأته‏)‏ اسمها آمنة بنت غفار‏.‏ قاله النووي في تهذيبه وقيل بنت عمار بفتح العين المهملة وتشديد الميم ووقع في مسند أحمد أن اسمها نوار بفتح النون‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار انتهى‏.‏ ‏(‏فأمره أن يراجعها‏)‏ وفي رواية أوردها صاحب المشكاة عن الصحيحين‏:‏ فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاري‏:‏ فيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب بغير حرام‏.‏ ‏(‏قال قلت‏)‏ أي قال يونس بن جبير قلت لابن عمر رضي الله عنه ‏(‏فيعتد‏)‏ بصيغة المجهول أي يحتسب ‏(‏قال‏)‏ أي ابن عمر رضي الله عنه ‏(‏فمه‏)‏ أصله فما وهو استفهام فيه اكتفاء، أي فما يكون إن لم تحتسب، ويحتمل أن تكون الهاء أصلية‏.‏ وهي كلمة تقال للزجر أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك، قال ابن عبد البر‏:‏ قول ابن عمر‏:‏ فمه‏.‏ معناه فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها‏؟‏ إنكاراً لقول السائل أيعتد بها‏؟‏ فكأنه قال وهل من ذلك بد ‏(‏أرأيت إن عجز واستحمق‏)‏ القائل لهذا الكلام هو ابن عمر رضي الله عنه صاحب القصة، ويريد به نفسه وإن أعاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في رواية لمسلم عن ابن عمر‏:‏ مالي لا أعتد بها‏؟‏ وإن كنت عجزت واستحمقت‏.‏ وقوله أرأيت أي أخبرني‏.‏ قال الحافظ بن حجر‏:‏ قوله أرأيت إن عجز واستحمق أي إن عجز عن فرض لم يقمه أو استحمق فلم يأت به يكون ذلك عذراً له‏؟‏ وقال الخطابي‏:‏ في الكلام حذف أي أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه‏؟‏ وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ اختلف في وجوب الرجعة فذهب إليه مالك وأحمد في رواية، والمشهور عنه وهو قول الجمهور أنها مستحبة‏.‏ وذكر صاحب الهداية أنها واجبة لورود الأمر بها‏.‏ قاله العيني رحمه الله‏.‏ قلت‏:‏ واحتج من قال باستحباب الرجعة بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك‏.‏ والظاهر قول من قال بالوجوب لورود الأمر بها ‏(‏ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏)‏ استدل به من ذهب إلى أن طلاق الحامل سني، وهو قول الجمهور‏.‏ وعن أحمد رواية‏:‏ أنه ليس بسني ولا بدعي‏.‏ واختلف في المراد بقوله- طاهراً- هل المراد به انقطاع الدم أو التطهر بالغسل‏؟‏ على قولين وهما روايتان عن أحمد‏.‏ والراجح الثاني لما في رواية عند النسائي في هذه القصة‏.‏ قال‏:‏ مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها، وإن شاء أن يمسكها فليمسكها، قاله الحافظ‏.‏ قوله ‏(‏حديث يونس بن جبير عن ابن عمر حديث حسن صحيح الخ‏)‏ حديث ابن عمر هذا أخرجه الأئمة الستة وله طرق وألفاظ قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ إن طلقها ثلاثاً وهي طاهر فإنه يكون للسنة أيضاً وهو قول الشافعي وأحمد‏)‏ قال القاري في المرقاة قال في شرح السنة استدل الشافعي على أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح ولا يكون بدعة‏.‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ركانة بن عبد يزيد حين طلق امرأته البتة ما أردت بها‏؟‏ ولم ينهه أن يريد أكثر من واحدة‏.‏ وهو قول الشافعي، وفيه بحث فإنه إنما يدل على وقوع الثلاث‏.‏ وأما على كونه مباحاً أو حراماً فلا انتهى ما في المرقاة‏.‏ قلت حديث ركانة هذا ضعيف مضطرب كما ستقف فهو لا يصلح أن يحتج به على أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح‏.‏ ولا على وقوع الثلاث‏.‏ قال العيني في شرح البخاري‏:‏ واختلفوا في طلاق السنة فقال مالك‏:‏ طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة ثم يتركها حتى تنقضي العدة برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة وهو قول الليث والأوزاعي وقال أبو حنيفة‏:‏ هذا أحسن من الطلاق‏.‏ وله قول آخر وهو ما إذا أراد أن يطلقها ثلاثاً طلقها عند كل طهر طلقة واحدة من غير جماع‏.‏ وهو قول الثوري وأشهب وزعم المرغيناني أن الطلاق على ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي حنيفة حسن وأحسن وبدعي‏.‏ فالأحسن أن يطلقها وهي مدخول بها تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي العدة‏.‏ والحسن وهو طلاق السنة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثاً في ثلاثة أطهار‏.‏ والمدعي أن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة أو ثلاثاً في طهر واحد فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصياً‏.‏ انتهى كلام العيني‏.‏

801- باب مَا جَاءَ في الرّجُلِ يطَلّقَ امْرأَتَهُ البَتّة

1173- حدثنا هَنّادٌ أخبرنا قَبيْصَةُ عنْ جَرِيرِ بنِ حازِمٍ، عنِ الزّبَيْرِ بنِ سَعْيد، عنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ بنِ رُكَانَةَ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدّهِ قالَ‏:‏ أتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقلت‏:‏ يا رسولَ الله إني طَلّقْتُ امْرأَتِي الْبَتّةَ‏.‏ فقَالَ ‏"‏مَا أَرَدْتَ بِهَا‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ وَاحِدَةً‏.‏ قالَ ‏"‏والله‏؟‏‏"‏ قُلتُ والله قالَ ‏"‏فَهُوَ مَا أرَدْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذَا الوَجْهِ‏.‏

وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال‏:‏ فيه اضطراب، ويُروى عن عكرمة عن ابن عباس أن ركانة طلق امرأتهُ ثلاثاً‏.‏

وقَدْ اخْتَلَفَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرهِمْ في طَلاَقِ البْتّةِ‏.‏ فَرُوِيَ عنْ عُمر بنِ الخَطّابِ أنّهُ جَعَلَ الْبَتّةَ واحِدَةً، وَرُوِيَ عنْ عَلِي أَنّهُ جَعَلَها ثلاثاً وقال بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ فيه نِيّةُ الرّجُلِ‏.‏ إن نوى واحدةً فواحدة وإنْ نَوَى ثَلاَثاً فَثَلاَثٌ، وإنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ تَكُنْ إلاّ وَاحِدَةً‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وأهْلِ الكُوفَةِ‏.‏

وقَالَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ ‏(‏فِي الْبَتّةِ‏)‏‏:‏ إنْ كانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِي ثَلاَثُ تَطْلِيقَاتٍ‏.‏

وقالَ الشّافِعِيّ‏:‏ إِنْ نَوَى وَاحِدَة فَوَاحِدَةً‏.‏ يَمْلِكُ الرّجْعَةَ‏.‏ وإنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ‏.‏ وإنْ نَوَى ثَلاَثاً فَثَلاَثٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزبير بن سعد‏)‏ كذا في النسخ الموجودة الزبير بن سعد وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجة الزبير بن سعيد‏.‏ وكذلك في الخلاص والميزان والتقريب فهو الصحيح‏.‏ قال الذهبي في الميزان في ترجمته‏:‏ روى عباس عن ابن معين ثقة‏.‏ وقال في موضع آخر ليس بشيء‏.‏ وقال النسائي ضعيف‏.‏ وهو معروف بحديث في طلاق البتة‏.‏ وقال في التقريب لين الحديث ‏(‏عن عبد الله بن يزيد بن ركانة‏)‏ بضم الراء وهو عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة وكذلك وقع في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة وقال الحافظ في التقريب‏:‏ قد ينسب إلى جده وقال هو لين الحديث‏.‏ وقال الذهبي في الميزان في ترجمته‏:‏ قال العقيلي إسناده مضطرب ولا يتابع على حديثه، وساق حديث جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد المطلبي عن عبد الله عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة الحديث والشافعي عن عمه عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة‏.‏ قال الذهبي‏:‏ كأنه اراد بقوله عن جده الجد الأعلى وهو ركانة انتهى‏.‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي علي بن يزيد بن ركانة‏.‏ قال في الخلاصة علي بن يزيد بن ركانة المطلبي عن أبيه وجده‏.‏ وعنه ابناه عبد الله ومحمد وثقه ابن حبان‏.‏ وقال البخاري لم يصح حديثه ‏(‏عن جده‏)‏ أي ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي من مسلمة الفتح ثم نزل المدينة ومات في أول خلافة معاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني طلقت أمرأتي البتة‏)‏ بهمزة وصل أي قال أنت طالق البتة‏.‏ من البت بمعنى القطع واسم امرأته سهيمة كما وقع في رواية لأبي داود ‏(‏قال فهو ما أردت‏)‏ وفي رواية لأبي داود فردها إليه‏.‏ قال الخطابي فيه بيان أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد بها أكثر من واحدة، وأنها رجعية غير بائن انتهى‏.‏ قال القاضي رحمه الله في الحديث فوائد‏:‏ منها- الدلالة على الزوج مصدق باليمين فيما يدعيه ما لم يكذبه ظاهر اللفظ‏.‏ ومنها- أن البتة مؤثرة في عدد الطلاق إذ لو لم يكن لما حلفه بأنه لم يرد إلا واحدة وأن من توجه عليه يمين فحلف قبل أن يحلفه الحاكم لم يعتبر حلفه‏.‏ إذ لو اعتبر لاقتصر على حلفه الأول ولم يحلفه ثانياً‏.‏ ومنها- أن ما فيه احتساب للحاكم له أن يحكم فيه من غير مدع انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏)‏ قال المنذري‏:‏ في إسناد الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد، وذكر الترمذي أيضاً عن البخاري أنه مضطرب فيه، تارة قيل فيه ثلاثاً وتارة قيل فيه واحدة‏.‏ وأصحه أنه طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى‏.‏ وقال أبو داود حديث نافع بن عجير حديث صحيح‏.‏ وفيما قاله نظر فقد تقدم عن الإمام أحمد بن حنبل أن طرقه ضعيفة وضعفه أيضاً البخاري وقد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه انتهى كلام المنذري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فروى عن عمر بن الخطاب أنه جعل البتة واحدة‏)‏ قال العيني في شرح البخاري‏:‏ وقد اختلف العلماء في قول الرجل‏:‏ أنت طالق البتة‏.‏ فذكر ابن المنذر عن عمر رضي الله عنه أنها واحدة، وإن أراد ثلاثاً فهي ثلاث‏.‏ وهذا قول أبي حنيفة والشافعي‏.‏ وقالت طائفة‏:‏ البتة ثلاث‏.‏ روي ذلك عن علي وابن عمر وابن المسيب وعروة والزهري وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي وأبي عبيد انتهى كلام العيني‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ طلاق البتة عند الشافعي واحدة رجعية وإن نوى بها اثنتين أو ثلاثاً فهو ما نوى‏.‏ وعند أبي حنيفة واحدة باثنة، وإن نوى ثلاثاً فثلاث‏.‏ وعند مالك ثلاث انتهى كلام القاري‏.‏ ‏(‏وروي عن علي أنه حعلها ثلاثاً‏)‏ وهو مروي عن ابن عمر وابن المسيب وعروة والزهري وغيرهم كما عرفت آنفاً ‏(‏وقال بعض أهل العلم فيه نية الرجل إن نوى واحدة فواحدة وإن نوى ثلاثاً فثلاث، وإن نوى اثنتين لم تكن إلا واحدة‏.‏ وهو قول الثوري وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله‏.‏ قال في شرح الوقاية من كتب الحنفية قد ذكر في أصول الفقه أن لفظ المصدر واحد لا يدل على العدد‏.‏ فالثلاث واحد اعتباري من حيث أنه مجموع فتصح نيته‏.‏ وأما الاثنان في الحرة فعدد محض لا دلالة للفظ المفرد عليه انتهى‏.‏

802- باب مَا جَاءَ في ‏(‏أمْرُكِ بِيَدِكِ‏)‏

‏(‏باب ما جاء في أمرك بيدك‏)‏ إعلم أنه إذا جعل الرجل أمر امرأته بيدها وقال أمرك بيدك‏.‏ فإن اختارته ولم تفارقه بل قرت عنده فليس ذلك بطلاق بالانفاق، وأما إذا فارقته واختارت نفسها فهو طلاق‏.‏ وستقف على ما فيه من اختلاف أهل العلم

1174- حدثنا عَلِي بنُ نَصْرِ بنِ عَلِي‏.‏ حدثنا سُلَيمانُ بنُ حَرْبٍ‏.‏ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ قالَ‏:‏ قُلْتُ لاِءَيّوبَ‏:‏ هَلْ عَلِمْتَ أَنّ أحَداً قَالَ فِي ‏(‏أَمْرُكِ بِيَدِكِ‏)‏ إنّهَا ثَلاَثٌ إلاّ الْحَسَنَ‏؟‏ فقَالَ‏:‏ لاَ إلاّ الحَسَنَ‏.‏ ثمّ قالَ‏:‏ اللّهُمّ غَفْراً إلاّ مَا حَدّثَنِي قَتادَةُ عنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏ثَلاَثٌ‏"‏‏.‏

قالَ أيّوبُ‏:‏ فَلَقيتُ كَثِيراً مَوْلَى بَنِي سَمُرَة فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ‏.‏ فَرَجَعْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ‏:‏ نَسِيَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حديثِ سُلَيمَانَ بنِ حَرْبٍ عنْ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ‏.‏ وَسَأَلتُ مُحَمّداً عنْ هذَا الْحَدِيثِ فقَالَ‏:‏ حدثنا سُلَيمَانُ بنُ حَرْبٍ عنْ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ بِهذَا‏.‏ وإنّما هُوَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ‏.‏

وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعاً وكانَ عَلِيّ بنُ نَصْرٍ حَافِظاً، صَاحِبَ حدِيثٍ‏.‏

وقَدْ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في ‏(‏أَمْرُكِ بِيدِكِ‏)‏ فقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وغيرهم مِنْهُمْ عُمرُ بنُ الْخَطّابِ وعَبْدُ الله بنُ مسْعُودٍ‏:‏ هِيَ وَاحِدَةٌ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِد مِنْ أهْلِ العِلْمِ مِنَ التّابِعينَ ومَنْ بَعْدَهُمْ‏.‏

وقَالَ عُثمَانُ بنُ عَفّانَ وزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ‏:‏ الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ‏.‏

وقالَ ابنُ عُمرَ‏:‏ إِذَا جَعَلَ أمْرَهَا بِيَدِهَا وطَلّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاثَاً، وأَنْكرَ الزّوْجِ وقَالَ‏:‏ لَمْ أَجْعلْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إلاّ في واحِدَةٍ، اسْتُحْلِفَ الزّوْجُ وكانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمينِه‏.‏

وذَهَبَ سُفْيَانُ وأهْلُ الكُوفَةِ إلَى قَوْلِ عُمرَ وعَبْدِ الله‏.‏ وأمّا مَالِكُ بنُ أنَسٍ فقَالَ‏:‏ الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وأمّا إسْحَاقُ فَذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابنِ عُمرَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم غفرا‏)‏ بفتح الغين المعجمة هو منصوب على المصدر أي اغفر غفراً‏.‏ قال بعض العلماء‏:‏ طلب المغفرة من الله تعالى لأنه جعل سماع هذا القول مخصوصاً بالحسن، يعني أنه سمع من قتادة أيضاً مثله انتهى‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يحتمل أنه كان سماعه من الحسن على الجزم واليقين، فلذا قاله جزماً بل حصراً‏.‏ ولم يكن سماعه من قتادة بهذه الرتبة فذكره بعد طلب المغفرة من الله تعالى بسبب أن يكون فيه شيء من السهو والغفلة انتهى‏.‏ كذا في حاشية النسخة الأحمدية‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر عندي أنه كان ينبغي لأيوب أن يقول في جواب حماد بن زيد لا إلا الحسن وفيه حديث مرفوع لكنه غفل عن ذكر الحديث المرفوع، ثم تذكر على الفور فاستغفروا قال اللهم غفرا إلا ما حدثني‏.‏‏.‏‏.‏ قتادة عن كثير الخ‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏عن كثير مولى بني سمرة‏)‏ قال في تهذيب التهذيب كثير بن أبي كثير البصري مولى عبد الرحمن ابن سمرة قال العجلي‏:‏ تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث‏)‏ أي إذا قال الرجل لامرأته أمرك بيدك فاختارت نفسها فهي ثلاث ‏(‏فسألته‏)‏ أي فسألت كثيراً عن هذا الحديث أي سألته إنك حدثت قتادة بهذا الحديث ‏(‏فلم يعرفه‏)‏ وفي رواية أبي داود قال أيوب فقدم علينا كثير‏.‏ فسألته فقال‏:‏ ما حدثت بهذا قط ‏(‏فأخبرته‏)‏ أي فأخبرت قتادة بما قال كثير فقال ‏(‏أي قتادة نسي‏)‏ أي كثير‏.‏ وفي رواية أبي داود فقال‏:‏ بلى ولكنه نسي‏.‏ اعلم أن إنكار الشيخ أنه حدث بذلك إن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود فلا شك أنه علة قادحة، وإن لم يكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث بدون تصريح بالإنكار كما في رواية الترمذي فليس ذلك مما يعد قادحاً في الحديث كما تقرر في أصول الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعاً‏)‏ والحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه، وذكر المنذري كلام الترمذي وأقره وأخرجه أيضاً النسائي وقال هذا حديث منكر‏.‏ ‏(‏وكان علي بن نصر حافظاً صاحب حديث‏)‏ لعل الترمذي أراد بقوله هذا أن علي بن نصر روى هذا الحديث مرفوعاً وكان ثقة حافظاً وروايته مرفوعاً زيادة وزيادة الثقة الحافظ مقبولة والله تعالى أعلم قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود‏:‏ هي واحدة وهو قول غير واحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم‏)‏ يعني إذا قال رجل لامرأته أمرك بيدك ففارقته فهي طلقة واحدة‏.‏ ولم يصرح الترمذي بأن هذه الوحدة بائنة أو رجعية‏.‏ وعند زيد بن ثابت رضي الله عنه‏:‏ هي واحدة رجعية‏.‏ روى محمد في موطإه عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أنه كان جالساً عنده فأتاه بعض بني أبي عتيق وعيناه تدمعان‏.‏ فقال له‏:‏ ما شأنك‏؟‏ فقال ملكت امرأتي أمرها بيدها ففارقتني فقال‏:‏ ما حملك على ذلك‏؟‏ قال‏:‏ القدر قال له زيد بن ثابت‏:‏ ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة، وأنت أملك بها‏.‏ وقال الإمام محمد بعد هذه الرواية هذا عندنا على ما نوى الزوج فإن نوى واحدة فواحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب‏.‏ وإن نوى ثلاثاً فثلاث‏.‏ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى كلامه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان بن عفان وزيد بن ثابت القضاء ما قضت‏)‏ أي الحكم ما نوت من رجعية أو بائنة واحدة أو ثلاثاً لأن الأمر مفوض إليها‏.‏ وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما صرح به الإمام محمد في موطإه‏.‏ وقد عرفت قول زيد بن ثابت لبعض بني أبي عتيق‏:‏ ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة الخ‏.‏ فلعل عن زيد بن ثابت روايتين والله تعالى أعلم‏.‏ وقال ابن عمر‏:‏ إذا جعل أمرها بيدها وطلقت نفسها ثلاثاً وأنكر الزوج ‏(‏وقال لم أجعل أمرها بيدها إلا في واحدة استحلف الزوج وكان القول قوله مع يمينه‏)‏ روى الإمام محمد في موطإه عن ابن عمر أنه كان يقول إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت إلا أن ينكر عليها فيقول لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها في عدتها ‏(‏وذهب سفيان وأهل الكوفة إلى قول عمر وعبد الله‏)‏ وتقدم قول أبي حنيفة وأصحابه ‏(‏وأما مالك بن أنس فقال القضاء ما قضت‏)‏ وروى مالك في الموطإ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت‏:‏ أنت الطلاق‏؟‏ فسكت، ثم قالت‏:‏ أنت الطلاق‏؟‏ فقال‏:‏ بفيك الحجر ثم قالت أنت الطلاق، فقال بفيك الحجر فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه‏.‏ قال مالك‏:‏ قال عبد الرحمن فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك وأحبه إلى انتهى ما في الموطإ‏.‏ قال الشيخ سلام الله في المحلي في شرح الموطإ‏:‏ قوله وهذا أحسن أي كون القضاء ما قضت، إلا أن ينكرها الزوج، أحسن ما سمعت في التي يجعل أمرها بيدها أو يملك أمرها وهي المملكة‏.‏ فلو قالت طلقت نفسي ثلاثاً، وقال‏:‏ ما أردت ذلك بل أردت تمليكي لك نفسك طلقة أو طلقتين مثلاً فالقول له بخلاف ما لو قال‏:‏ ما أردت بالتمليك لك شيئاً أبداً فلا يقبل قوله، بل يقع ما أوقعت هذا في المملكة‏.‏

وأما المخيرة فإذا اختارت نفسها يقع عنده ثلاث، وإن أنكرها الزوج‏.‏ هذا تفصيل مذهب مالك كما ذكره ابن أبي زيد وعند أبي حنيفة يقع في أمرك بيدك على ما نوى الزوج فإن واحدة فواحدة بائنة‏.‏ وإن ثلاثاً فثلاث‏.‏ وفي اختياري يقع واحدة بائنة‏.‏ وإن نوى الزوج ثلاثاً‏.‏ وعند الشافعي يقع رجعية في المملكة والمخيرة كليهما‏.‏ وهو قول عبد الله بن مسعود انتهى ما في المحلي ‏(‏وهو قول أحمد‏)‏ ولم يذكر الترمذي قول الشافعي وقد عرفت قوله آنفاً، وهو أنه يقع عنده رجعية في المملكة والمخيرة كلتيهما‏.‏

803- باب مَا جَاءَ فِي الْخِيَار

‏(‏باب ما جاء في الخيار‏)‏ المراد به التخيير وهو جعل الطلاق إلى المرأة فإن لم تمتثل فلا شيء عليها قاله العيني

1175- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي‏.‏ حدثنا سُفَيانُ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ، عنْ الشّعْبيّ، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عَائِشَةَ قَالتْ‏:‏ خَيّرنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ‏.‏ أفَكَانَ طَلاَقَاً‏؟‏‏.‏

- حدثنا محمد بن بشار عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدي‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ، عنْ أَبِي الضّحَى، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عَائِشَةَ، بِمِثلهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِي الْخِيَارِ‏.‏ فَرُوِيَ عنْ عُمرَ وعَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ أنّهُمَا قَالاَ‏:‏ إنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَوَاحِدَة بائِنَةٌ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْهُمَا أنّهُمَا قَالاَ أيْضاً‏:‏ وَاحِدَةٌ يَملِكُ الرّجْعَةَ، وإن اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلاَ شَيْءَ‏.‏ وَرُوِيَ عنْ عَلِي أنّهُ قالَ‏:‏ إنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ‏.‏ وإنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ يَملكُ الرّجْعَةَ‏.‏

وقَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ‏:‏ إنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَواحِدَةٌ‏.‏ وإنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلاَثٌ‏.‏ وذَهَبَ أَكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ والفِقهِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بَعْدَهُمْ فِي هذا البابِ إلَى قَوْلِ عمرَ وعبدِ الله‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِي وأهْلِ الكُوفةِ‏.‏ وَأَمّا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَذَهَبَ إلَى قَوْلِ عَلِي رَضِيَ الله عَنْهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خيّرنا‏)‏ وفي رواية مسلم خير نساءه ‏(‏أفكان طلاقاً‏)‏ استفهام إنكار أي لم يكن طلاقاً لأنهن اخترن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏واختلف أهل العلم في الخيار الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وبقول عائشة رضي الله عنها يقول جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وهو أن من خير زوجته فاختارته لا يقع عليه بذلك طلاق‏.‏ لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائناً أو يقع ثلاثاً‏.‏ وحكى الترمذي عن علي إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة‏.‏ وعن عمرو بن مسعود‏:‏ إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية، وإن اختارت زوجها فلا شيء‏.‏ ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقاً لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة‏.‏ وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان‏:‏ قال كنا جلوساً عند علي فسئل عن الخيار فقال‏:‏ سألني عنه عمر‏.‏ فقلت‏:‏ إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية‏.‏ قال ليس كما قلت‏.‏ إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بدا من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف‏.‏ قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت فقال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة من طرق عن علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره‏.‏ وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثاً بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين، إما الأخذ وإما الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ إنها تكون بعد في أسر الزوج، وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما‏.‏ وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها‏.‏ فواحدة بائنة ولا يرد عليه إلا إيراد السابق‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبن أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت‏.‏ فلو قالت لم أرد باختيار نفسى الطلاق صدقت‏.‏ ويؤخذ من هذا أنه لو وقع التصريح في التخيير بالتطليق أن الطلاق يقع جزماً‏.‏ نبه على ذلك شيخنا حافظ الوقت أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي، ونبه صاحب الهداية من الحنفية على اشتراط ذكر النفس في التخيير‏.‏ فلو قال مثلاً‏:‏ اختاري‏.‏ فقالت‏:‏ اخترت لم يكن تخييراً بين الطلاق وعدمه‏.‏ وهو ظاهر لكن محله الإطلاق‏.‏ فلو قصد ذلك بهذا اللفظ ساغ‏.‏ وقال صاحب الهداية أيضاً‏:‏ إن قال اختاري ينوي به الطلاق فلها أن تطلق نفسها ويقع بائناً‏.‏ فلو لم ينو فهو باطل‏.‏ وكذا لو قال‏:‏ اختاري فقالت اخترت‏.‏ فلو نوى فقالت اخترت نفسي وقعت طلقة رجعية‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ يؤخذ من قول عائشة‏.‏ فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقاً، أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقاً‏.‏ ووافقه القرطبي في المفهم فقال في الحديث‏:‏ إن المرأة إذا اختارت نفسها‏.‏ أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقاً من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق‏.‏ قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور‏.‏ قال الحافظ لكن ظاهر الاَية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقاً بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها فتعالين أمتعكن وأسرحكن أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم انتهى ما في فتح الباري‏.‏

804- باب مَا جاءَ في المُطَلّقَةِ ثلاثَاً لاَ سُكْنَى لَهَا وَلاَ نَفَقَة

1176- حدثنا هَنّادٌ حدثنا جَرِيرٌ عنْ مُغِيرة، عنِ الشّعْبِيّ، قالَ‏:‏ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ‏:‏ طَلّقَنِي زَوْجِي ثَلاَثاً عَلَى عَهْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ سُكْنَى لَكِ وَلاَ نَفَقَةَ‏"‏‏.‏

قَالَ مُغِيرةُ‏:‏ فَذَكَرْتُهُ لإبْرَاهِيمَ فقَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ لاَ نَدَعُ كِتَابَ الله وسُنّةَ نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي أَحَفِظتْ أَمْ نَسِيَتْ‏.‏ وكانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السّكْنَى وَالنّفَقَةَ‏.‏

حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنيعٍ‏.‏ حدثنا هُشَيمٌ‏.‏ أنْبأَنَا حُصَيْنٌ وإسْمَاعِيلُ ومُجَالِدٌ‏.‏

قالَ هُشَيْمٌ‏:‏ وحدثنا دَاوُدُ أيْضاً عنِ الشّعْبيّ قالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بنت قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عنْ قَضَاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فقالَتْ‏:‏ طَلّقَهَا زَوْجُهَا البَتّةَ‏.‏ فَخَاصَمَتْهُ فِي السّكْنَى والنّفَقةِ، فَلَمْ يجْعَلْ لَهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم سُكْنَى ولاَ نَفقة‏.‏

وفِي حديثِ دَاوُدَ قَالتْ‏:‏ وأَمَرَنِي أنْ أعْتَدّ فِي بَيْتِ ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ، مِنْهُمْ الحَسَنُ البَصْريّ وعَطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ والشّعْبيّ‏.‏ وبه يَقُولُ أحْمَدُ وإسحَاقُ‏.‏ وقَالُوا‏:‏ لَيْس لِلْمُطَلّقةِ سُكْنَى ولاَ نَفقَةٌ، إذَا لَمْ يملِكْ زَوْجُهَا الرّجْعَةَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ من أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ عُمَرُ وعبدُ الله‏:‏ إنّ المُطَلّقَةَ ثَلاَثاً، لَهَا السّكْنَى والنّفَقَةُ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهلِ الكُوفَةِ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ لَهَا السكْنَى وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا‏.‏ وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أنَسٍ واللّيْثِ بنِ سَعْدٍ والشّافِعيّ‏.‏ وقالَ الشّافعيّ‏:‏ إنمَا جَعَلْنَا لَهَا السّكْنَى بِكِتَابِ الله قالَ الله تعالى ‏{‏لاَ تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ ولا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَة‏}‏ قالُوا‏:‏ هُوَ الْبذَاءُ، أنْ تَبْذُوَ عَلَى أهْلِهَا، واعْتَلّ بأنِ فَاطِمَةَ بنت قَيْسٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم السّكْنَى، لِمَا كانَتْ تَبْذُو عَلَى أهْلِهَا‏.‏

قالَ الشّافِعِيّ‏:‏ ولاَ نفقَةَ لَهَا‏.‏ لحديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي قِصّةِ حديثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طلقني زوجي ثلاثاً‏)‏ وفي رواية فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها ‏(‏لا سكنى لك ولا نفقة‏)‏ استدل به أحمد وإسحاق وغيرهما على أن المطلقة ثلاثاً لا سكنى لها ولا نفقة ‏(‏فذكرته‏)‏ أي حديث فاطمة بنت قيس ‏(‏لإبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏فقال‏)‏ أي إبراهيم ‏(‏لا ندع‏)‏ بفتح الدال أي لا نترك ‏(‏كتاب الله وسنة نبينا‏)‏ سيأتي بيان ما هو المراد من كتاب الله وسنة نبينا ‏(‏بقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت فكان عمر يجعل لها السكنى والنفقة‏)‏ استدل به من قال إن للمطلقة ثلاثاً النفقة والسكنى، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرج حديث فاطمة بنت قيس الجماعة بألفاظ مختصراً ومطولاً قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول بعض أهل العلم منهم الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والشعبي وبه يقول أحمد وإسحاق وقالوا‏:‏ ليس للمطلقة سكنى ولا نفقة إذا لم يملك زوجها الرجعة‏)‏ وهو قول عمرو بن دينار وطاوس وعكرمة وإبراهيم في رواية، وأهل الظاهر كذا في عمدة القاري‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وعبد الله‏:‏ إن المطلقة ثلاثاً لها السكنى والنفقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول حماد وشريح والنخعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ‏(‏وقال بعض أهل العلم‏:‏ لها السكنى ولا نفقة لها وهو قول مالك بن أنس والليث بن سعد والشافعي‏)‏ وهو قول عبد الرحمن بن مهدي وأبي عبيدة‏.‏ وقال بعض أهل العلم‏:‏ إن لها النفقة دون السكنى حكاه الشوكاني في النيل‏.‏ واحتج الأولون بحديث فاطمة بنت قيس المذكور في الباب وهو نص صحيح صريح في هذه المسألة‏.‏ قال العيني في شرح البخاري‏:‏ قصة فاطمة بنت قيس رويت من وجوه صحاح متواترة انتهى‏.‏ واحتج من قال إن لها النفقة والسكنى بقول عمر رضي الله عنه لا نترك كتاب الله وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ وأخرجه النسائي ولفظه قال‏:‏ قال عمر لها إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة‏.‏ قالوا فظهر أن حديث فاطمة بنت قيس مخالف لكتاب الله وسنة نبيه‏.‏ وأجيب بأن القول بأنه مخالف لكتاب الله ليس بصحيح فإن الذي فهمه السلف من قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ فهو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية لقوله في آخر الاَية ‏(‏لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً‏)‏ لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه‏.‏ وهو الذي حكاه الطبري عن قتادة والحسن والسدي والضحاك ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ولو سلم العموم في الاَية لكان حديث فاطمة بنت قيس مخصصاً له وبذلك يظهر أن العمل به ليس بترك للكتاب العزيز كما قال عمر رضي الله عنه‏.‏ فإن قلت إن قوله وسنة نبينا يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئاً من السنة، يخالف قول فاطمة لما تقرر أن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع‏.‏ قلت صرح الأئمة بأنه لم يثبت شيء من السنة يخالف قول فاطمة‏.‏ وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لها السكنى والنفقة‏.‏ فقد قال الإمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر‏.‏ وقال الدارقطني السنة بيد فاطمة قطعاً‏.‏ وأيضاً تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين‏.‏ فإن قلت‏:‏ قال، صاحب العرف الشذي إن النخعي لا يرسل إلا صحيحاً كما في أوائل التمهيد انتهى‏.‏ قلت قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله‏.‏ وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود انتهى‏.‏ ‏(‏وقال الشافعي إنما جعلنا لها‏)‏ أي للمطلقة ثلاثاً ‏(‏السكنى بكتاب الله‏)‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ قوله تعالى بتمامه هكذا ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف‏}‏ الخ والظاهر أن قوله تعالى هذا للمطلقات الرجعية، فاستدلال الشافعي به على أن للمطلقة ثلاثاً السكنى محل نظر فتفكر ‏(‏قالوا هو‏.‏‏.‏ البذاء أن تبذو على أهلها‏)‏ قال في القاموس البذي كرضى الرجل الفاحش وهي بالباء وقد بذر بذاء وبذاءة وبذوت عليهم وأبذيتهم من البذاء وهو الكلام القبيح انتهى‏.‏ وقال في تفسير الخازن قال ابن عباس‏:‏ الفاحشة المبينة بذاءتها على أهل زوجها‏.‏ فيحل إخراجها لسوء خلقها‏.‏ وقيل أراد بالفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها‏.‏ ويروى ذلك عن ابن مسعود انتهى‏.‏

‏(‏واعتل بأن فاطمة ابنة قيس لم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم السكنى لما كانت تبذو على أهلها‏)‏ وفي رواية للبخاري وغيره‏:‏ أن عائشة عابت ذلك أشد العيب وقالت إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذه الرواية تدل على أن سبب الإذن في انتقال فاطمة أنها كانت في مكان وحش وقد وقع في رواية لأبي داود‏:‏ إنما كان ذلك من سوء الخلق ‏(‏قال الشافعي‏:‏ ولا نفقة لها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة حديث فاطمة بنت قيس‏)‏ فمذهب الشافعي أن المطلقة ثلاثاً لها السكنى بكتاب الله تعالى ولا نفقة لها بحديث فاطمة بنت قيس‏.‏ والكلام في هذه المسألة طويل فعليك بالمطولات‏.‏

805- باب مَا جَاءَ لاَطَلاَقَ قَبْلَ النّكاح

1177- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا هُشَيْمٌ حدثنا عَامِرٌ الأحْوَلُ عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ جَدّهِ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا نَذْرَ لاِبنِ آدمَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، ولاَ عِتْقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، ولاَ طَلاَقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَلِي ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وجَابرٍ وابنِ عَبّاسٍ وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهُوَ أحْسَنُ شَيءٍ رُوِيَ فِي هذَا البَابِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ رُوِيَ ذلِكَ عنْ عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ وابنِ عَبّاسٍ وجَابرِ بنِ عَبْدِ الله وسَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ والحَسَنِ وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ وعَلِيّ بنِ الْحُسَيْنِ وشُرَيْحٍ وجَابرِ بنِ زَيْدٍ وغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ التّابِعِينَ‏.‏ وبِهِ يَقُولُ الشّافِعِيّ‏.‏ وَرُوِيَ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ قَالَ في ‏(‏الَمنْصُوبَةِ‏)‏‏:‏ إنهَا تَطْلُقُ‏.‏ وقَدْ رُوِي عنْ إبْرَاهيمَ النّخَعِيّ والشّعْبِيّ وغَيْرِهِمَا مِنْ أهْلِ العِلمِ‏:‏ أنّهُمْ قالُوا‏:‏ إِذَا وَقّتَ نُزّلَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ ومَالِكِ بنِ أنَسٍ‏:‏ أنّهُ إذَا سَمّى امْرَأَةً بِعَيْنهَا أَوْ وَقَتَ وَقْتاً أوْ قالَ‏:‏ إنْ تَزَوّجْتُ مِنْ كُورَةِ كَذَا، فإنّهُ إنْ تَزَوّجَ فإِنهَا تَطْلُقُ‏.‏

وَأَمّا ابنُ المُبَارَكِ فَشَدّدَ في هذَا البَابِ وقالَ‏:‏ إنْ فَعَلَ، لاَ أَقُولُ هِيَ حَرَامٌ وقال أحمد إن تزوج لا آمره أن يفارق امرأته وقالَ إسْحَاقُ‏:‏ أَنَا أُجِيزُ فِي الْمَنْصُوبَةِ، لِحَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ تَزَوّجَهَا لاَ أَقُولُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَوَسّعَ إسْحَاقُ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبَةِ‏.‏

وذُكِرَ عنْ عَبْدِ الله بنِ الْمُبَارَكِ أنّهُ سُئِلَ عنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطّلاَقِ أنّه لاَ يَتَزَوّجُ ثمّ بَدَا لَهُ أنْ يَتَزَوّجَ‏.‏ هَلْ لَهُ رُخْضَةٌ بأنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ الْفُقهَاءِ الّذِينَ رَخّصُوا في هذَا‏؟‏ فقَالَ عبد الله ابنُ الْمُبَارَكِ‏:‏ إنْ كانَ يَرَى هذَا الْقوْلَ حَقاً مِنْ قَبْلِ أنْ يُبْتَلى بِهذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلهُ أنْ يَأْخُذَ بقولهمْ‏.‏ فَأَمّا مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهذَا، فَلَمّا ابْتُلِيَ أحبّ أنْ يَأْخُذَ بقولهمْ، فَلا أرَى لَهُ ذَلِكَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نذر لابن آدم فيما لا يملك‏)‏ أي لا صحة له فلو قال‏:‏ لله على أن أعتق هذا العبد‏.‏ ولم يكن ملكه وقت النذر لم يصح النذر‏.‏ فلو ملكه بعد هذا لم يعتق عليه‏.‏ كذا نقل القاري عن بعض العلماء الحنفية ‏(‏ولا عتق له‏)‏ أي لابن آدم ‏(‏ولا طلاق له فيما لا يملك‏)‏ وزاد أبو داود‏.‏ ولا بيع إلا فيما لك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه ابن ماجة مرفوعاً عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ لا طلاق قبل النكاح وجوبير ضعيف‏.‏ كذا في نصب الراية‏.‏ وقال الحافظ في فتح الباري‏:‏ أخرج البيهقي وأبو داود من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع خاله عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول، قال علي بن أبي طالب‏:‏ حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا يتم بعد احتلام‏"‏ الحديث لفظ البيهقي‏.‏ ورواية أبي داود مختصرة وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن علي مطولاً‏.‏ وأخرجه ابن ماجة مختصراً وفي سنده ضعف‏.‏ ‏(‏ومعاذ‏)‏ بن جبل أخرجه الحاكم عن طاوس عن معاذ مرفوعاً وهو منقطع‏.‏ وله طريق أخرى عند الدارقطني عن سعيد بن المسيب عن معاذ مرفوعاً وهي منقطعة أيضاً، وفيها يزيد بن عياض وهو متروك‏.‏ وزاد الدارقطني في هذه الطريق‏:‏ ولو سميت المرأة بعينها‏.‏ كذا في التلخيص ونصب الراية‏.‏ ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه الحاكم قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وله طرق عنه بينتها في تعليق التعليق‏.‏ وقد قال الدارقطني‏:‏ الصحيح مرسل ليس فيه جابر ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه الحاكم وهو ضعيف‏.‏ وله طريق أخرى عند الدارقطني وهي أيضاً ضعيفة ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه الدارقطني وهو ضعيف‏.‏ وفي الباب أيضاً عن ابن عمر عند الحاكم والدارقطني وهو ضعيف وعن المسور بن مخرمة عند ابن ماجة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد اللهن بن عمرو حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة، وسكت عنه أبو داود‏.‏ وقال المنذري‏:‏ وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب‏.‏ وقال أيضاً سألت محمد بن إسماعيل فقلت أي شيء أصح في الطلاق قبل النكاح‏؟‏ فقال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره وأجراه على عمومه إذ لا حجة مع من فرق بين حال وحال‏.‏ والحديث حسن إنتهى كلام المنذري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏)‏ قال الحافظ في الفتح هذه المسألة من الخلافيات المشهورة وللعلماء فيها مذاهب‏.‏ الوقوع مطلقاً وعدم الوقوع مطلقاً والتفصيل بين ما إذا عين أو خصص ومنهم من توقف‏.‏ فقال بعدم الوقوع الجمهور، وهو قول الشافعي وابن مهدي وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب الحديث، وقال بالوقوع مطلقاً أبو حنيفة وأصحابه، وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن مسعود وأتباعه ومالك في المشهور عنه، وعنه عدم الوقوع مطلقاً ولو عين‏.‏ وعن ابن القاسم مثله وعنه أنه توقف وكذا عن الثوري وأبي عبيد وقال جمهور المالكية بالتفصيل فإن سمى امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكاناً أو زماناً يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق إنتهى كلام الحافظ‏.‏ قلت واحتج من قال بعدم الوقوع مطلقاً بأحاديث الباب قال البيهقي بعد أن أخرج كثيراً من الأخبار ثم من الآثار الواردة في عدم الوقوع‏:‏ هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك، لا يعمل بعد وقوعهما، وأن تأويل المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك والوقوع فيما إذا وقع بعده ليس بشيء، لأن كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك، فلا يبقى في الأخبار فائدة‏.‏ بخلاف ما إذا حملناه على ظاهره فإن فيه فائدة وهو الإعلام بعدم الوقوع، ولو بعد وجود العقد فهذا يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الأخبار على ظاهرها إنتهى كلام البيهقي‏.‏ لو أجاب الحنفية عن أحاديث الباب بأنها محمولة على التنجيز‏.‏ وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال في رجل قال ‏"‏كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وكل أمة أشتريها فهي حرة‏"‏‏:‏ هو كما قال‏.‏ فقال له معمر‏:‏ أو ليس جاء‏:‏ لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك‏.‏ قال إنما ذلك أن يقول الرجل امرأة فلان طالق وعبد فلان حر‏.‏ وفيه ما قال الحافظ من أن ما تأوله الزهري ترده الآثار الصحيحة عن سعيد بن المسيب وغيره من مشائخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال‏:‏ إن تزوجت فهي طلاق سواء عمم أو خصص أنه لا يقع انتهى‏.‏ وفيه أيضاً ما قال البيهقي من أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما‏.‏ وفيه أيضاً‏:‏ لو حمل أحاديث الباب على ا لتنجيز لم يبق فيها فائدة كما قال البيهقي‏.‏ وللحنفية تمسكات أخر ضعيفة، ذكرها الحافظ في الفتح‏.‏

واحتج من قال بالتفصيل بأنه إذا عم سد على نفسه باب النكاح الذي ندب الله إليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروي عن ابن مسعود أنه قال في المنصوبة‏:‏ إنها تطلق‏)‏ وفي بعض النسخ المنسوبة بالسين المهملة ‏"‏وهو الظاهر، أي المرأة المنسوبة إلى قبيلة أو بلدة والمراد من المنصوبة المعينة ‏(‏وروي عن إبراهيم النخعي والشعبي وغيرهما من أهل العلم أنهم قالوا‏:‏ إذا وقت نزل‏)‏ أي إذا عين وقتاً بأن يقول إن نكحت اليوم أو غداً مثلاً نزل يعني يقع الطلاق‏.‏ روى وكيع في مصنفه عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال‏:‏ إن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق‏.‏ فليس بشيء وإذا وقت لزمه‏.‏ وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا بن أبي زائدة وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال إذا عمم فليس بشيء‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ إذا وقت وقع وبإسناده‏:‏ إذا قال كل فليس بشيء‏.‏ ومن طريق حماد بن أبي سليمان مثل قول إبراهيم وأخرجه من طريق الأسود بن يزيد عن ابن مسعود كذا في فتح الباري قال الحافظ‏:‏ فابن مسعود أقدم من أفتى بالوقوع وتبعه من أخذ بمذهبه كالنخعي ثم حماد انتهى‏.‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس‏)‏ في المشهور عنه كما عرفت ‏(‏أنه إذا سمى أمرأة بعينها‏)‏ مثلاً قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ‏(‏أو وقت وقتاً‏)‏ أي عين وقتاً من التوقيت بأن قال مثلاً‏:‏ إن تزوجت اليوم أو غداً فهي طالق ‏(‏أو قال إن تزوجت من كورة كذا‏)‏ وقال في القاموس‏.‏ الكورة بالضم المدينة والصقع ج كور وقال فيه الصقع بالضم الناحية‏.‏ ‏(‏وأما ابن المبارك فشدد في هذا الباب‏)‏ أي في هذه المسألة ‏(‏وقال إن فعل لا أقول هي حرام‏)‏ أي إذا قال‏:‏ إن تزوجت فلانة فهي طالق ثم تزوجها لا أقول وقع الطلاق وصارت حراماً عليه ‏(‏وذكر عن عبد الله بن المبارك أنه سأل عن رجل الخ‏)‏ هذا بيان تشدده ‏(‏وقال أحمد إن تزوج لا آمره أن يفارق امرأته‏)‏ قال الحافظ ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقاً وقال‏:‏ إن تزوج لا آمره أن يفارق‏.‏ وكذا قال إسحاق في المعينة انتهى‏.‏

806- باب مَا جَاءَ أَنّ طَلاَقَ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَان

1178- حدثنا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى النّيْسَابُورِيّ‏.‏ حدثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قالَ حدثني مُظَاهِرُ بنُ أسْلَمَ‏.‏ قالَ‏:‏ حَدّثَنيِ الْقَاسِمُ عنْ عائِشَةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتانِ، وَعِدّتُهَا حَيْضَتَانِ‏"‏‏.‏

قالَ مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى‏:‏ حدثنا أبُو عَاصِمٍ‏.‏ أنبأنا مُظاهِرٌ بِهذَا‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَائِشَةَ حدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعَاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بنِ أسْلَمَ‏.‏ وَمُظَاهِرٌ لا نعْرفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْر هَذَا الحَدِيثِ‏.‏ وَالَعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَالشّافِعِيّ وَأحْمَدَ وَإِسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري‏)‏ هو الإمام الذهلي ثقة حافظ جليل ‏(‏أخبرنا أبو عاصم‏)‏ النبيل الضحاك بن مخلد ثقة ثبت ‏(‏عن ابن جريج‏)‏ إسمه عبد الملك بن عبد العزيز الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل ‏(‏أخبرنا مظاهر بن أسلم‏)‏ بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وبعد الألف هاء مكسورة وراء مهملة قال في التقريب ضعيف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏طلاق الأمة‏)‏ مصدر مضاف إلى مفعوله أي تطليقها تطليقتان ‏(‏وعدتها حيضتان‏)‏ قال القاري في المرقاة دل ظاهر الحديث على أن العبرة في العدة بالمرأة، وأن لا عبرة بحرية الزوجة وكونه عبداً كما هو مذهبنا‏.‏ ودل على أن العدة بالحيض دون الإظهار‏.‏ وقال المظهر بهذا الحديث قال أبو حنيفة الطلاق يتعلق بالمرأة‏.‏ فإن كانت أمة يكون طلاقها إثنين سواء كان زوجها حراً أو عبداً‏.‏ وقال الشافعي ومالك وأحمد‏:‏ الطلاق يتعلق بالرجل فطلاق العبد إثنان، وطلاق الحر ثلاث، ولا نظر للزوجة‏.‏ وعدة الأمة على نصف عدة الحرة فيما له نصف، فعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان لأنه لا نصف للحيض‏.‏ وإن كانت تعتد بالأشهر فعدة الأمة شهر ونصف وعدة الحرة ثلاثة أشهر انتهى ما في المرقاة‏.‏ وقال الخطابي في المعالم‏:‏ اختلف العلماء في هذا فقالت طائفة‏:‏ الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، روي ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وإليه ذهب عطاء بن رباح‏.‏ وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ثم ذكر الخطابي مذهب أبي حنيفة رحمه الله ثم قال‏:‏ والحديث يعني حديث الباب حجة لأهل العراق، ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبداً‏.‏ انتهى كلام الخطابي‏.‏ قلت واحتج أيضاً لأبي حنيفة رحمه الله بما رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً‏:‏ طلاق الأمة إثنتان وعدتها حيضتان‏.‏ وفي إسناده عمرو بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان‏.‏ وقال الدارقطني والبيهقي‏:‏ الصحيح أنه موقوف‏.‏ واستدل من قال إن الطلاق بالرجال بحديث ابن مسعود‏:‏ الطلاق بالرجال والعدة بالنساء‏.‏ رواه الدارقطني والبيهقي وروياه أيضاً عن ابن عباس نحوه وروى أحمد من حديث علي نحوه وأجيب بأن كل واحد من هذه الروايات موقوفة، واستدلوا أيضاً بما رواه مالك في الموطإ عن سليمان بن يسار أن نفيعاً مكاتباً كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبداً كان تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين، ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك، فلقيه عند الدرج آخذاً بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعاً فقال‏:‏ حرمت عليك حرمت عليك‏.‏ وهذا أيضاً موقوف‏.‏ وبما رواه مالك أيضاً عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول إذا طلق العبد امرأة تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره حرة كانت أو أمة‏.‏ وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان‏.‏ وهذا أيضاً موقوف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد بن يحيى وأخبرنا أبو عاصم أخبرنا مظاهر بهذا‏)‏ أي بهذا الحديث المذكور يعني قال محمد بن يحيى الذهلي وحدثنا أبو عاصم هذا الحديث عن مظاهر بغير واسطة ابن جريج كما حدثنا عن مظاهر بواسطة ابن جريج وفي سنن ابن ماجة قال أبو عاصم فذكرته لا لمظاهر‏.‏ فقلت حدثني كما حدثت ابن جريج فأخبرني عن القاسم عن عائشة الخ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمر‏)‏، أخرجه ابن ماجة وغيره وقد تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ هو حديث مجهول‏.‏ قال المنذري وقد ذكر له أبو أحمد بن عدي حديثاً آخر رواه عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة‏.‏ قال ومظاهر هذا مخزومي مكي ضعفه أبو عاصم النبيل وقال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيء مع أنه لا يعرف‏.‏ وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ منكر الحديث‏.‏ وقال الخطابي والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت‏.‏ ولكن أهل الحديث ضعفوه‏.‏ ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبداً‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ لو كان ثابتاً قلنا به إلا أنا لا نثبت حديثاً يرويه من يجهل عدالته انتهى كلام المنذري‏.‏

807- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُحَدّثُ نَفْسَهُ بِطَلاَقِ امْرَأَتِه

1179- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا أبُو عَوَانَةَ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏تَجَاوَزَ الله لأُمّتِي مَا حَدّثَتْ بِه أنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَكلّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ‏:‏ أَنّ الرّجُلَ إِذَا حَدّثَ نفسَه بِالطّلاَقِ، لَمْ يَكُنْ شَيْئاً حَتّى يَتَكلّمَ بِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما حدثت به أنفسها‏)‏ بالفتح على المفعولية وذكر المطرزي عن أهل اللغة أنهم يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ ‏(‏ما لم تكلم به‏)‏ اي في القوليات ‏(‏أو تعمل به‏)‏ اي في العمليات واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأته لأنه عزم بقلبه وعمل بكتابته‏.‏ وشرط مالك فيه الإشهاد على ذلك‏.‏ ونقل العيني في عمدة القاري عن المحيط‏:‏ إذا كتب طلاق أمرأته في كتاب أو لوح أو على حائط أو أرض وكان مستبيناً ونوى به الطلاق يقع‏.‏ وإن لم يكن مستبيناً أو كتب في الهواء أو الماء لا يقع وإن نوى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان قوله‏:‏ ‏(‏إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيئاً‏)‏ أي لا يقع‏.‏

808- باب مَا جَاءَ فِي الْجِدّ والهَزْلِ فِي الطّلاَق

1180- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيلَ عنْ عَبْدِ الرّحْمنِ بنِ أدرك عنْ عَطَاءٍ، عنِ ابنِ مَاهَكَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثٌ جِدُهُنّ جِدّ‏:‏ وَهزْلُهُنّ جِدّ‏:‏ النّكَاحُ وَالطّلاَقُ وَالرّجْعَةُ‏"‏ حاشية في التعريب والخلاصة أردك‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ، والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏:‏ قال أبو عيسى وَعَبْدُ الرّحْمَنِ، هُوَ ابنُ حَبِيبِ بنِ أَدْرَكَ المدني وابنُ مَاهَكَ، هُوَ عِنْدِي يُوسُفُ بنُ مَاهكَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن أدرك المدني‏)‏ قال الجوهري النسبة إلى مدينة يثرب مدني وإلى مدينة منصور مديني للفرق كذا في المغنى لصاحب مجمع البحار ‏(‏ثلاث جدهن جد وهزلهن جد‏)‏ قال القاري في المرقاة الهزل أن يراد بالشيء غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما، والجد ما يراد به ما وضع له أو ما صلح له اللفظ مجازاً ‏(‏النكاح والطلاق والرجعة‏)‏ بكسر الراء وفتحها ففي القاموس بالكسر والفتح‏:‏ عود المطلق إلى طليقته انتهى يعنى لو طلق أو نكح أو راجع وقال كنت فيه لاعباً هازلاً لا ينفعه‏.‏ قال القاضي‏:‏ اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظة الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعباً أو هازلاً‏.‏ لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وقال كل مطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلاً فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى‏.‏ فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه وخص هذه الثلاث لتأكيد أمر الفرج‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك وهو مختلف فيه‏.‏ قال النسائي منكر الحديث، ووثقه غيره قال الحافظ فهو على هذا حسن‏.‏ وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ‏:‏ ثلاث لا يجوز اللعب فيهن، الطلاق، والنكاح، والعتق‏.‏ وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ‏:‏ لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق، فمن قالهن فقد وجبن‏.‏ وإسناده منقطع‏.‏ وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه‏:‏ من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز، ومن اعتق وهو لاعب فعتقه جائز، ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز‏.‏ وفي إسناده انقطاع أيضاً‏.‏ وعي على موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً، وعن عمر موقوفاً عنده أيضاً كذا في النيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وابن ماهك هو عندي يوسف بن ماهك‏)‏ بن بهزاد الفارسي المكي ثقة من الثالثة‏.‏

809- باب مَا جَاءَ فِي الْخُلْع

‏(‏باب ما جاء في الخلع‏)‏ بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من خلع الثوب والنعل وغيرهما‏.‏ وذلك لأن المرأة لباس للرجل كما قال الله تعالى ‏{‏هن لباس لكم وأنتم لباس لهن‏}‏ وإنما جاء مصدره بضم الخاء تفرقة بين الإجرام والمعاني يقال خلع ثوبه خلعاً بفتح الخاء، وخلع امرأته خلعاً وخلعة بالضم‏.‏ وأما حقيقته الشرعية فهو فراق الرجل امرأته على عوض يحصل له‏.‏ كذا نقل العيني في شرح البخاري عن شرح الترمذي لشيخه زين الدين العراقي

1181- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أنبأنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عنْ سُفْيَانَ‏.‏ أنبأنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَهُوَ مَوْلَى آل طَلْحَةَ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عنِ الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذِ بنِ عَفْرَاءَ أَنّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَأَمَرَهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ بِحَيْضَةٍ قال وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ الرّبَيّع الصّحِيحُ انّها أُمِرَتْ أَنْ تَعْتدّ بِحَيْضَةٍ‏.‏

1182- أنبأنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الرّحِيمِ الْبَغْدَادِيّ أنبأنا عليّ بنُ بَحْرٍ‏.‏ حدثنا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ عنْ مَعْمَر عن عَمرِو بنِ مُسْلمٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَأَمَرَهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدّ بِحَيْضَةٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عِدّةِ الْمُخْتَلِعَة‏.‏ فقَالَ أَكْثرُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏:‏ إِنّ عِدّةَ الْمُخْتلِعَةِ عِدّةُ المُطَلّقَةِ، ثلاث حيض وهُوَ قَوْلُ سُفيَانَ الثّوْرِيّ وأَهْلِ الكُوفَةِ‏.‏ وَبِه يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ‏.‏ قالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏:‏ أنّ عِدّة المُخْتِلعَةِ حَيْضَةٌ‏.‏ قالَ إسْحَاقُ‏:‏ وَإنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى هَذَا، فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحمن وهو مولى ال طلحة‏)‏ كوفي ثقة من السادسة كذا في التقريب ‏(‏عن الربيع‏)‏ بالتصغير والتثقيل ‏(‏بنت معوذ بن عفراء‏)‏ بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة وبالذال المعجمة الإنصارية البخارية من صغار الصحابة قوله‏:‏ ‏(‏أو أمرت‏)‏ بصيغة المجهول وكلمة أو للشك من الراوي ‏(‏إن تعتد بحيضة‏)‏ استدل به من قال إن عدة المختلعة حيضة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه البخاري وغيره ‏(‏حديث الربيع بنت معوذ الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت‏:‏ اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد بحيضة قالت‏:‏ وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس‏.‏ كذا في نيل الأوطار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة ثابت بن قيس‏)‏ قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي ما محصله إنه اختلفت طرق الحديث في اسم امرأة ثابت بن قيس التي خالعها، ففي أكثر طرقه أن اسمها حبيبة بنت سهل‏.‏ وقد صح أن اسمها جميلة، وصح أن اسمها مريم، وأما تسميتها زينب فلم يصح‏.‏ قال‏:‏ وأصح طرقه حديث حبيبة بنت سهل على أنه يجوز أن يكون الخلع قد تعدد غير مرة من ثابت بن قيس لهذه ولهذه، فإن في بعض طرقه أصدقها حديقة وفي بعضها حديقتين ولا مانع من أن يكون واقعتين فأكثر انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة‏.‏ قال الخطابي في المعالم‏:‏ هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق‏.‏ لأن الله تعالى قال ‏(‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏)‏ فلو كانت هذه مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد انتهى‏.‏ قوله ‏"‏هذا حديث حسن غريب‏"‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري‏.‏ قوله ‏"‏فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إن عدة المختلعة كعدة المطلقة‏"‏ أي ثلاثة قروة بناء على أن الخلع طلاق ليس بفسخ‏.‏ ‏(‏وهو قول الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول أبي حنيفة ‏(‏وقال بعض أهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏:‏ عدة المختلعة حيضة‏)‏ واحتجوا بحديثي الباب‏.‏ وفي رواية للنسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته الحديث‏.‏ وفي اخره‏:‏ خذ الذي لها وخل سبيلها قال نعم فأمرها أن تتربص حيضه وتلحق أهلها واستدل بهذه الروايات على أن الخلع فسخ وليس بطلاق‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد قال الإمام أحمد إن الخلع فسخ وقال في رواية‏:‏ وإنها لا تحل لغير زوجها حتى يمضي ثلاثة أقراء فلم يكن عنده بين كونه فسخاً وبين النقص من العدة تلازم انتهى‏.‏ ‏(‏قال إسحاق وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوى‏)‏ لثبوت أحاديث الباب‏.‏

810- باب ما جَاءَ في المختلعَات

1183- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حَدّثنَا مُزَاحِمُ بنُ ذَوّادِ بنِ عُلْبَةَ عنْ أَبِيهِ، عنْ لَيْثٍ، عنْ أبي الْخَطّابِ، عنْ أبي زُرْعَةَ، عنْ أبي إدْرِيسَ، عنْ ثَوْبَانَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏المُخْتَلِعَاتُ هُنّ الْمُنَافِقَات‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بالْقَوِي‏.‏

وَرُوِيَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏أَيّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيرِ بَأْسٍ، لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنّةِ‏"‏‏.‏

1184- أنبأنا بِذَلكَ بندار أنبأنا عَبْدُ الوَهّابِ أنبأنا أَيّوبُ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عَمّنْ حَدّثَهُ، عنْ ثَوْبَانَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أيّمَا امْرَأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقاً مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنّة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ ويُرْوَى هَذَا الحَدِيثُ عنْ أيوبَ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أبي أسْمَاءَ، عنْ ثَوْبَانَ‏.‏ وَرَوَاه بَعْضُهُمْ، عنْ أيّوبَ بِهَذَا الإسْنَادِ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو كريب‏)‏ اسمه محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة حافظ عن هشيم وابن المبارك وابن عيينة وخلق وعنوع مات سنة ثمان وأربعين ومائتين ‏(‏مزاحم‏)‏ بضم الميم وبالزاي وكسر الحاء المهملة ‏(‏بن ذواد‏)‏ بفتح الذال المعجمة وتشديد الواو ‏(‏بن عنبة‏)‏ بضم العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة قال الحافظ‏:‏ لا بأس به من العاشرة تنبيه قد وقع في النسخة الأحمدية وغيرها من النسخ المطبوعة في الهند علية وهو غلط ‏(‏عن أبيه‏)‏ ذواد بن علية الحارثي الكوفي أبو المنذر ضعيف ‏(‏عن ليث‏)‏ هو ليث بن أبي سليم بن زنيم صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك من السادسة ‏(‏عن أبي الخطاب‏)‏‏.‏ قال في التقريب‏:‏ أبو الخطاب شيخ البيت بن أبي سليم مجهول انتهى‏.‏ ‏(‏عن أبي زرعة‏)‏‏.‏ قال في التقريب‏:‏ أبو زرعة عن أبي إدريس الخولاني قيل هو ابن عمرو ابن جرير وإلا فهو مجهول انتهى‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ أبو زرعة عن أبي ادريس وعنه أبو الخطاب لعله يحيى أبي عمرو السبياني ‏(‏عن أبي إدريس اسمه عائذ الله بن عبد الله الخولاني، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة‏)‏ ومات سنة ثمانين‏.‏ قال سعيد بن عبد العزيز‏:‏ كان عالم الشام بعد أبي الدرداء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏المختلعات‏)‏ بكسر اللام أي اللاتي يطلبن الخلع والطلاق عن أزواجهن من غير بأس ‏(‏هن المنافقات‏)‏ أي العاصيات باطناً والمطيعات ظاهراً‏.‏ قال الطيبي مبالغة في الزجر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي‏)‏ لأن في بعض رجاله جهالة، وفي بعضهم ضعفاً كما عرفت‏.‏ وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ المنتزعات والمختلعات هن المنافقات‏.‏ أخرجه أحمد والنسائي من طريق أيوب عن الحسن عن أبي هريرة، قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفي صحته نظر لأن الحسن عند الأكثر لم يسمع من أبي هريرة‏.‏ لكن وقع في رواية النسائي‏:‏ قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث‏.‏ وقد تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع هذا إلا من حديث أبي هريرة وهو تكلف، وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط وصار يرسل عنه غير ذلك‏.‏ فتكون قصته في ذلك كقصته مع سمرة في حديث العقيقة‏.‏ انتهى كلام الحافظ‏.‏ وفي الباب أيضاً عن ابن مسعود مرفوعاً‏:‏ المختلعات والمتبرجات هن المنافقات‏.‏ أخرجه أبو نعيم في الحلية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من غير بأس‏)‏ أي من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة ‏(‏لم ترح رائحة الجنة‏)‏ أي لم تشمها قال الجزري في النهاية في حديث‏:‏ من قتل نفساً معاهدة لم يرح رائحة الجنة‏.‏ أي لم يشم ريحها يقال راح يريح وراح يراح وأراح يريح إذا وجد رائحة الشيء‏.‏ والثلاثة قد روى بها الحديث انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ أي ممنوع عنها وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد، أو وقوع ذلك متعلق بوقت دون وقت‏.‏ أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون‏.‏ أو لا تجد أصلاً، وهذا من المبالغة في التهديد‏.‏ ونظير ذلك كثير قاله القاضي‏.‏ قال القاري‏:‏ ولا بدع أنها تحرم لذة الرائحة ولو دخلت الجنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه قال الحافظ في الفتح‏:‏ رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ويروي هذا الحديث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان‏)‏ كذلك رواه أبو دواد وابن ماجه‏.‏

811- باب مَا جَاءَ في مُدَاراةِ النّسَاء

‏(‏باب ما جاء في مداراة النساء‏)‏ داراه مداراة لاطفه‏.‏

1185- حدثنا عَبْدُ الله بنُ أبي زِيَادٍ‏.‏ حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ‏.‏ حَدّثَنَا ابنُ أَخِي ابنِ شهَابٍ عنْ عَمّهِ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنّ الْمَرْأةَ كالضّلَعِ إنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُها كَسَرْتَهَا‏.‏ وَإنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بهَا عَلَى عِوَجٍ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أبِي ذَرٍ وسَمُرَةَ وعَائشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَديثُ أبِي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسن صحيحٌ، غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وإِسناده جيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن المرأة كالضلع‏)‏ قال في القاموس الضلع كعنب وجذع معروف مؤنثة انتهى، وهو عظم الجنب وهو معوج يعني أن النساء في خلقهن أعوجاج في الأصل فلا يستطيع أحد أن يغيرهن عما جبلن عليه وفي رواية مسلم‏:‏ إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم على طريقة‏.‏ ‏(‏إن ذهبت تقيمها‏)‏ أي تردها إلى إقامة الاستقامة وبالغت فيها ما سامحتها في أمورها، وما تغافلت عن بعض أفعالها‏.‏ قاله القاري ‏(‏كسرتها‏)‏ كما هو مشاهد في المعوج الشديد اليابس في الحس‏.‏ زاد في رواية مسلم‏:‏ وكسرها وطلاقها ‏(‏استمتعت بها على عوج‏)‏ بكسر العين ويفتح أي مع عوج لا انفكاك لها عنه‏.‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي ذر وسمرة وعائشة‏)‏ أما حديث أبي ذر وسمرة فلينظر من أخرجه وأما حديث عائشة رضي الله عنها في هذا الباب فمخرج في الكتب الستة وغيرها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

812- باب مَا جَاءَ في الرّجُلِ يَسْأَلُهُ أَبُوهُ أنْ يُطَلّقَ زوجته

1186- حدثنا أَحْمَدُ بنُ محَمّدٍ‏.‏ أنبأنا ابنُ المُبَارَكِ‏.‏ أنبأنا ابنُ أَبي ذِئْبٍ عنِ الْحَارِثِ بن عَبْدِ الرّحْمَنِ، عنْ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، عنِ ابنِ عُمَرَ‏:‏ قالَ‏:‏ كانَتْ تَحْتِي امْرأَةٌ أُحِبّهَا‏.‏ وكانَ أبي يَكْرَهُهَا‏.‏ فَأَمَرَنِي أبي أنْ أُطَلّقَها فَأَبَيْتُ‏.‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ ‏"‏يَا عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ طَلّقِ امْرَأَتَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، إنّمَا نَعْرِفهُ مِنْ حدِيثِ ابنِ أبي ذِئْبٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طلق امرأتك‏)‏ فيه دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها، وإن كان يحبها فليس ذلك عذراً له في الإمساك، ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب‏.‏ كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال‏:‏ قلت يا رسول الله من أبر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أمك‏"‏‏.‏ قلت ثم من‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أمك‏"‏‏.‏ قلت ثم من‏؟‏ قال ‏"‏أمك‏"‏‏.‏ قال ثم من‏؟‏ قال ‏"‏أباك‏"‏‏.‏ الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره‏.‏

813- باب ما جَاءَ لاَ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلاَق أُخْتِهَا

1187- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزّهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَسْأَلْ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا، لِتَكْفِئَ مَا في إنَائِهَا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أُمّ سَلَمةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تسأل المرأة طلاق أختها‏)‏ الظاهر أن المراد بالأخت الأخت في الدين‏.‏ يوضح هذا ما رواه ابن حبان من طريق أبي كثير عن أبي هريرة يلفظ‏:‏ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن المسلمة أخت المسلمة ‏(‏لتكفي ما في إنائها‏)‏ أي لتقلب ما في إنائها قال في النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته‏.‏ وهذا تمثيل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا سألت علاقها انتهى‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ لتستفرغ صحيفتها فإنما لها ما قدر لها‏.‏ قال النووي‏:‏ معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلاً طلاق زوجته ليطلقها ويتزوج بها انتهى‏.‏ وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال فيه من الفقه إنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق صرتها لتنفرد به انتهى قال الحافظ‏:‏ وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ‏:‏ لا تسأل المرأة طلاق أختها‏.‏ وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط ‏(‏يعني بلفظ لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ إناءها‏)‏ فظاهر أنها في الأجنبية‏.‏ ويؤيده قوله فيها ولتنكح أي ولتنزوج الزوج المذكور من غير أن تشترط أن يطلق التي قبلها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سلمة‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

814- باب مَا جَاءَ في طَلاَقِ المعْتُوه

‏(‏باب ما جاء في طلاق المعتوه‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ المعتوه بفتح الميم وسكون المهملة وضم المثناة وسكون الواو بعدها هاء، الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران‏.‏ والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر منه انتهى

1188- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصنعاني أنبأنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، عنْ عَطَاءِ بنِ عَجْلاَنَ، عنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُومِيّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كُلّ طَلاقٍ جَائِزٌ، إلاّ طَلاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بنِ عَجْلاَنَ‏.‏ وعَطَاءُ بنُ عَجْلاَنَ ضَعِيفٌ، ذاهِبُ الْحَدِيثِ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهم أَنّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لاَ يَجُوزُ، إلاّ أَنْ يَكُونَ مَعْتُوهاً، يُفِيقُ الأحْيَانَ، فَيُطَلّقُ فِي حَال إفَاقَتِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكل طلاق جائز‏)‏ أي واقع ‏(‏إلا طلاق المعتوه‏)‏ قال في القاموس عته كعني عتها وعتها وعتاها فهو معتوه نقص عقله أو فقد أو دهش انتهى‏.‏ وقال الجزري في النهاية المعتوه هو المجنون المصاب بعقله وقد عته فهو معتوه انتهى ‏(‏المغلوب على عقله‏)‏ تفسير المعتوه وأورد صاحب المشكلة هذا الحديث بلفظ‏:‏ والمعتوه قال القاري‏:‏ كأنه عطف تفسيري ويؤيده رواية المغلوب بلا واو‏.‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث‏)‏ أي غير حافظ له قال الحافظ زين الدين العراقي هذا حديث أبي هريرة انفرد بإخراجه الترمذي وعطاء بن عجلان ليس له عند الترمذي إلا هذا الحديث الواحد، وليس له في بقية الكتب الستة شيء وهو حنفي بصري يكنى أبا محمد ويعرف بالعطار، اتفقوا على ضعفه‏.‏ قال ابن معين والفلاس‏:‏ كذاب‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ والبخاري منكر الحديث‏.‏ زاد أبو حاتم‏:‏ جداً‏.‏ وهو متروك الحديث انتهى‏.‏ اعلم أن هذا الحديث بهذا اللفظ قد روى عن علي بسند صحيح موقوفاً عليه، قال البخاري في صحيحه‏:‏ وقال علي رضي الله عنه‏:‏ وكل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه‏.‏ قال العيني ذكره بصيغة الجزم لأنه ثابت، ووصله البغوي في الجعديات انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفيه خلاف قديم ذكر ابن أبي شيبة من طريق نافع أن المحير بن عبد الرحمن طلق امرأته وكان معتوهاً فأمرها ابن عمر بالعدة‏.‏ فقيل له‏:‏ إنه معتوه‏.‏ فقال‏:‏ إني لم اسمع الله استثنى للمعتوه طلاقاً ولا غيره‏.‏ وذكر ابن أبي شيبة عن الشعبي وإبراهيم وغير واحد مثل قول علي انتهى‏.‏ قال في المرقاة‏:‏ قال زين العرب‏:‏ والمغلوب على عقله يعم السكران من غير تعد والمجنون والنائم، والمريض الزائل عقله بالمرض، والمغمى عليه، فإنهم كلهم لا يقع طلاقهم‏.‏ وكذا الصبي‏.‏ وفي الهداية‏:‏ ولا يقع طلاق الصبي وإن كان يعقل، والمجنون والنائم‏.‏ والمعتوه كالمجنون‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ قيل هو قليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون‏.‏ وقيل العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادراً والمجنون ضده، والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء‏.‏ وهذا يؤدي إلى أن لا يحكم بالعته على أحد والأول أولى وما قيل من يكون كل من الأمرين منه غالباً معناه يكثر منه‏.‏ وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصده مع ظهور الفساد، والمجنون بلا قصد، والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحياناً، والمبرسم والمغمى عليه والمدهوش كذلك‏.‏ وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون انتهى ما في المرقاة‏.‏ وقال الحافظ في الفتح وذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضاً أبو الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز‏.‏ ذكره ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد صحيحة، وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني، واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع‏.‏ قال والسكران معتوه بسكره، وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي‏.‏ وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة‏.‏ وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه‏.‏ والخلاف عند الحنابلة والترجيح بالعكس‏.‏ وقال ابن المرابط إذا تيقنا ذهاب عقل السكران لم يلزمه طلاق، وإلا لزمه‏.‏ وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به الصلاة أن لا يعلم ما يقول‏.‏ وهذا التفصيل لا يأباه من يقول بعدم وقوع طلاقه وإنما استدل من قال بوقوعه مطلقاً بأنه عاص بفعله لم يزل عنه الخطاب بذلك ولا الإثم، لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر أو فيه‏.‏ وأجاب الطحاوي بأنه لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو بسبب من قبل نفسه، كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا‏.‏ وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم لم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه فافترقا انتهى كلام الحافظ‏.‏

815- باب

1189- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا يَعْلَى بنُ شَبِيبٍ عنْ هِشَامٍ بن عُرْوَةَ، عنْ أَبِيهِ، عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ‏:‏ كَانَ النّاسُ، وَالرّجُلُ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أنْ يُطَلّقَهَا‏.‏ وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدّةِ‏.‏ وإنْ طَلّقَها مَائةَ مَرّةٍ أوْ أَكثَرَ‏.‏ حَتَى قالَ رَجُلٌ لاِمْرَأَتِهِ والله لاَ أُطَلّقُكِ فَتَبين مِنّي، ولاَ آوِيكِ أبَداً‏.‏ قالَتْ‏:‏ وكَيْفَ ذَاكَ‏؟‏ قالَ‏:‏ أُطَلّقُكِ‏.‏ فَكُلّمَا هَمّتْ عِدّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ، رَاجَعْتُكِ‏.‏ فَذَهَبَتْ الْمَرأَةُ حَتّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا‏.‏ فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتّى جَاءَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرتْهُ فَسَكَتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، حَتّى نَزَلَ الْقُرْآنُ‏:‏ ‏{‏الطّلاَقُ مَرّتَانِ فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ‏}‏ قالَتْ عَائِشَة‏:‏ فاسْتَأْنَفَ النّاسُ الطّلاَقَ مُسْتَقْبَلاً، مَنْ كَانَ طَلّقَ ومَنْ لَمْ يَكُنْ طَلّقَ‏.‏

1190- حدثنا أبُو كُريْبٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ، عنْ هِشَام بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ، نَحْوَ هذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ‏.‏ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ‏(‏عنْ عَائِشَةَ‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بنِ شَبِيبٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعلي بن شبيب‏)‏ المكي مولى ال الزبير لين الحديث من الثامنة كذا في التقريب‏.‏ وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان‏.‏ ونقل عن هامش الخلاصة عن التهذيب ووثقة النسائي وأبو زرعة قوله‏:‏ ‏(‏كان الناس‏)‏ أي في الجاهلية ‏(‏وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر‏)‏ الواو في قوله وإن طلقها وصلية، والمعنى كان له الرجعة ما دامت في العدة‏.‏ وإن طلقها مائة مرة أو أكثر ‏(‏ولا أؤويك‏)‏ من الإيواء أي لا أسكنك في منزلي قال في مجمع البحار أراد الرجعة انتهى‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أويت منزلي وإليه أويا بالضم ويكسر وأويت تأية وتأويت وأتويت وئتويت نزلته بنفسي أسكنته واويته وأويته أنزلته انتهى ‏(‏فكلما همت عدتك أن تنقضي‏)‏ الهم القصد أي فكلما أرادت وقصدت عدتك الانقضاء والمعنى كلما قرب كان انقضاء عدتك ‏(‏الطلاق مرتان‏)‏ قال الخازن في تفسيره معنى الاَية‏:‏ أن الطلاق الرجعي مرتان ولا رجعة بعد الثالثة إلا أن تنكح زوجاً اخر‏.‏ وهذا التفسير هو قول من جوز الجمع بين الطلاق الثلاث في دفعة واحدة وهو الشافعي‏.‏ وقيل معنى الاَية أن التطليق الشرعي يجب أن يكون تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، وهذا التفسير هو قول من قال إن الجمع بين الثلاثة حرام، إلا أن أبا حنيفة رح قال يقع الثلاث وإن كان حراماً ‏(‏فإمساك بمعروف‏)‏ يعني بعد الرجعة، وذلك أنه إذا راجعها بعد التطليقة الثانية فعليه أن يمسكها بالمعروف، وهو كل ما عرف في الشرع من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة ‏(‏أو تسريح بإحسان‏)‏ يعني أنه يتركها بعد الطلاق حتى تنقضي عدتها من غيره مضارة وقيل هو أنه إذا طلقها أدى إليها جميع حقوقها المالية ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ولا ينفر الناس عنها كذا في تفسير الخازن ‏(‏فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ومن لم يكن طلق‏)‏ وفي رواية عن عروة‏:‏ فاستقبل الناس الطلاق جديداً من ذلك اليوم من كان طلق أو لم يطلق‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح من حديث يعلي بن شبيب‏)‏ يعني حديث عبد الله ابن إدريس اصح من حديث يعلى بن شبيب المذكور قبله، فإن عبد الله بن إدريس أوثق من يعلي بن شبيب‏.‏

816- باب مَا جَاءَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَضَع

‏(‏باب ما جاء في الحامل المتوفي عنها زوجها تضع‏)‏ المقصود أن عدة الحامل المتوفي عنها زوجها وضع الحمل

1191- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حَدّثَنَا حُسَيْنُ بنُ مُحَمّدٍ‏.‏ حَدّثَنَا شَيْبَانُ عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنِ الأسْوَدِ، عنْ أبي السّنَابِلِ بن بَعْكَكٍ قالَ‏:‏ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَط وَفَاةِ زَوْجهَا بِثَلاثَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْماً، أوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْماً‏.‏ فَلَمّا تَعَلّتْ تَشَوّفَتْ لِلنّكَاحِ‏.‏ فَأُنْكِرَ عَلَيْهَا‏.‏ فَذُكِرَ ذلِكَ لِلنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقَالَ ‏"‏إنْ تَفْعَلْ فَقَدْ حَلّ أَجَلُهَا‏"‏‏.‏

حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ مُوسَى‏.‏ حَدّثَنَا شَيْبَانُ عنْ مَنْصُورٍ نَحْوَهُ‏.‏

قال وفي البابِ عنْ أُمّ سَلَمةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أبِي السّنَابِلِ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَلاَ نَعْرِفُ لْلأَسْوَدِ سماعاً من أَبي السّنَابِلِ‏.‏ وَسَمِعْتُ مُحَمّداً يَقُولُ‏:‏ لاَ أَعْرِفُ أَنّ أَبَا السّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

والعَمَلُ عَلَى هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهْم أَنّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفّي عَنْهَا زَوْجُهَا، إذَا وَضَعَتْ فَقَدْ حَلّ التّزْوِيجُ لَهَا، وإنْ لَمْ تَكُنِ انْقَضَتْ عِدّتُهَا‏.‏

وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ تَعْتَدّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ‏.‏ والْقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ‏.‏

1192- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا اللّيْثُ عنْ يَحْيَىَ بنِ سَعِيدٍ، عنْ سُلَيمَانَ بنِ يَسَارٍ أنّ أبَا هُرَيْرَةَ وابنَ عَبّاسٍ وَأَبَا سَلَمةَ بنَ عَبْد الرّحْمنِ تَذَاكَرُوا الْمُتَوَفّي عَنْهَا زَوْجُهَا، الْحَامِلَ تَضَعُ عِنْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا‏.‏ فقَالَ ابن عَبّاسٍ‏:‏ تَعْتَدّ آخِرَ الأجَلَيْنِ‏.‏ وقالَ أَبُو سَلَمةَ‏:‏ بَلْ تَحِلّ حِينَ تَضَعُ‏.‏ وقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَا مَعَ ابنِ أَخِي‏.‏ يَعْنِي أَبَا سَلَمةَ‏.‏

فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمّ سَلَمةَ، زَوْجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ‏:‏ قَدْ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ الأسْلَمِيّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بيَسِيرٍ‏.‏ فَاسْتفْتَتْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوّجَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي السنابل‏)‏ بفتح المهملة وخفة النون وكسر الموحدة وباللام صحابي مشهور، واختلف في اسمه فقيل عمرو وقيل عامر وقيل حبة وقيل غير ذلك ‏(‏بن بعكك‏)‏ بفتح الموحدة وسكون العين وفتح الكاف الأولى ‏(‏وضعت سبيعة‏)‏ بضم السين المهملة وفتح الموحدة مصغراً وهي بنت الحارث لها صحبة وذكرها ابن سعد في المهاجرات ‏(‏بعد وفاة زوجها‏)‏ اسمه سعد بن خولة ‏(‏بثلاثة وعشرين يوماً أو خمسة وعشرين يوماً‏)‏ شك من الراوي ‏(‏فلم تعلت‏)‏ أي طهرت من النفاس ‏(‏تشوفت للنكاح‏)‏ أي تزينت للخطاب تشوف للشيء أي طمح بصره إليه ‏(‏فقال إن تفعل‏)‏ أي سبيعة ما ذكر من التشوف للنكاح ‏(‏فقد حل أجلها‏)‏ فيه دليل على أن عدة الحامل المتوفي عنها زوجها وضع الحمل قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سلمة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا نعرف للأسوف شيئاً عن أبي السنابل‏)‏ قال الحافظ في الفتح الأسود من كبار التابعين من أصحاب ابن مسعود ولم يوصف بالتدليس فالحديث صحيح على شرط مسلم، لكن البخاري على قاعدته في اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة فلهذا قال ما نقله الترمذي ‏(‏وسمعت محمداً يقول‏:‏ لا أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لكن جزم ابن سعد أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمناً، ويؤيد كونه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قول ابن البرقي أن أبا السنابل تزوج سبيعة بعد ذلك وأولدها سنابل ابن أبي السنابل‏.‏ ومقتضى ذلك أن يكون أبو السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة أنها تزوجت الشاب‏.‏ وكذا في رواية داود بن أبي عاصم أنها تزوجت فتى من قومها وقصتها كانت بعد حجة الوداع فيحتاج أن كان الشاب دخل عليها ثم طلقها إلى زمان عدة منه ثم إلى زمان الحمل حتى تضع وتلد سنابل حتى صار أبوه يكنى به أبا السنابل قاله الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ‏)‏ قال الحافظ وقد قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار‏:‏ إن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة انتهى‏.‏ وهو الحق لأحاديث الباب ‏(‏وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم تعتد اخر الأجلين‏)‏ أي كن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها، ولا تحل بمجرد الوضع وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع‏.‏ وبه قال علي رضي الله عنه أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عنه بسند صحيح‏.‏ وبه قال ابن عباس ويقال إنه رجع عنه، ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ لحديث سبيعة المذكور في الباب ولعله لم يبلغ من خالف هذا القول والله تعالى أعلم‏.‏ قوله ‏(‏بعد وفاة زوجها‏)‏ اسمه سعد بن خولة ‏(‏بيسير‏)‏ جاء فيه روايات مختلفة قال الحافظ‏:‏ والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة‏.‏ قال وأقر ما قيل في هذه الروايات نصف شهر‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

817- باب مَا جَاءَ فِي عِدّةِ الْمُتوَفّي عَنْهَا زَوْجُهَا

1193- حدثنا الأَنْصَارِيّ‏.‏ حَدّثَنَا مَعْنُ بنُ عِيسى أنبأنا مَالِكُ بنُ أنَسٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي بَكْرٍ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَمْروِ بنِ حَزْمٍ، عنْ حُمَيْدِ بنِ نَافِعٍ، عنْ زَيْنَب بِنْتِ أبي سَلمَةَ، أنّهَا أخْبَرَتُهُ بِهذِهِ الأحَادِيث الثّلاَثَةِ‏:‏

1194- قَالَتْ زَيْنَبُ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم حين تُوُفّيَ أَبُوهَا، أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ‏.‏ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقِ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً‏.‏ ثُمّ مَسّتْ بِعَارِضَيْهَا‏.‏ ثمّ قالَتْ‏:‏ وَالله مَالِي بِالطيّبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنّي سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏لاَ يَحِلّ لإِمْرَأةٍ تُؤْمِنُ بالله والْيَوْمِ الاَخِرِ، أنْ تُحِدّ عَلَى مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيامٍ‏.‏ إلاّ عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏"‏‏.‏

1195- حدثنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجّ‏.‏ حَدّثَنَا عَبْدُ الله بنُ إدْرِيسَ عنْ مُحَمّدِ بنِ إسْحَاقَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْروِ بنِ عَطَاءٍ، عنْ سُلَيمَانَ بنِ يَسَارٍ، عنْ سَلَمةَ بنِ صَخْر الْبَيَاضِيّ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم في المُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أنْ يُكَفّرَ، قالَ ‏"‏كَفّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، والعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ أكْثرِ أهْلِ العِلمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ ومَالِكٍ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

وقالَ بَعْضُهُمْ إِذَا وَاقَعَها قبْلَ أَنْ يُكفّرَ، فَعَلَيْهِ كَفّارَتَانِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرّحْمنِ بن مَهْدِي‏.‏

1196- أنبأنا أبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حرَيْثٍ‏.‏ أنبأنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عنْ مَعْمَرٍ، عنِ الْحَكَمِ بنِ أَبَانَ، عنْ عِكْرِمَةَ‏.‏ عنِ ابنِ عَبّاسٍ‏:‏ أنّ رَجُلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا‏.‏ فقالَ‏:‏ يَا رسولَ الله إني قد ظَاهَرْتُ مِنْ زوجتي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكفّر‏.‏ فقَالَ ‏"‏مَا حَمَلَكَ عَلَى ذلِكَ، يَرْحَمُكَ الله‏"‏‏؟‏ قالَ‏:‏ رَأيْتُ خلْخَالهَا في ضَوْءِ الْقَمَرِ‏.‏ قالَ ‏"‏فَلاَ تَقْرَبْهَا حَتّى تَفْعَلَ مَا أمَرَكَ الله به‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في المظاهر يواقع‏)‏ أي يجامع ‏(‏قال‏)‏ تعلق به الجار المتقدم أي قال في شأن المظاهر الخ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وفي سنده محمد بن إسحاق وهو رواه عن محمد ابن عمرو بالعنعنة‏.‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ‏)‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ ومذهبنا أنه إن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى، ولكن لا يعود حتى يكفر‏.‏ وفي الموطأ قال مالك فيمن يظاهر ثم يمسها قبل أن يكفر عنها‏:‏ يستغفر الله ويكفر ثم قال‏:‏ وذلك أحسن ما سمعت قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول عبد الرحمن بن مهدي‏)‏ وهو منقول عن عمرو بن العاص وقبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة‏.‏ ونقل عن الحسن البصري والنخعي أنه يجب ثلاث كفارات‏.‏ وحديث الباب حجة على هؤلاء كلهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت خلخالها‏)‏ قال في الصراح‏:‏ خلخال بالفتح بأي برنجن جمعه خلاخيل‏.‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ رأيت بياض حجليها في القمر‏.‏ والحجل بكسر الحاء ويفتح وهو الخلخال ‏(‏فلا تقريها‏)‏ أي لا تجامعها ‏(‏حتى تفعل ما أمرك الله‏)‏ أي الكفارة قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه قال الحافظ ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال وقال ابن حزم‏:‏ رواته ثقات ولا يضر إرسال من أرسله‏.‏ وأخرج البزار شاهداً له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس‏:‏ أن رجلاً قال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر‏.‏ فقال‏:‏ كفر ولا تعد‏.‏ وقد بالغ أبو بكر بن العربي فقال ليس في الظهار حديث صحيح‏.‏

818- باب مَا جَاءَ في كفّارَةِ الظّهَار

1197- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ‏.‏ أنبأنا هَارُونُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَزازُ‏.‏ أنبأنا عَلِيّ بنُ الْمُبَارَكِ‏.‏ أنبأنا يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ‏.‏ أنبأنا أَبُو سَلَمةَ وَ مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمنِ بن ثوبان أنّ سَلْمَانَ بنَ صَخْرٍ الأنْصَارِيّ، أَحَد بَنِي بَيَاضَةَ، جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمّهِ حَتّى يَمْضِيَ رَمَضَانُ‏.‏ فَلَمّا مَضَى نِصْفٌ مِنْ رَمَضَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا لَيْلاً‏.‏ فَأَتى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ‏.‏ فقَالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أَعْتِقْ رَقَبَة‏"‏ قالَ‏:‏ لاَ أَجِدُهَا‏.‏ قالَ ‏"‏فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏"‏ قالَ‏:‏ لاَ أسْتَطِيعُ‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏أطِعمْ سِتّينَ مِسْكِيناً‏"‏ قالَ‏:‏ لاَ أَجِدُ‏.‏ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِفَرْوَةَ بنِ عَمْروٍ ‏"‏أعْطِهِ ذَلِكَ الْعَرَقَ ‏(‏وهُوَ مِكْتَلٌ يأخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً أوْ سِتّةَ عَشَرَ صَاعاً‏)‏ إطْعَامَ سِتّينَ مِسْكِيناً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ يُقَالُ سَلْمَانُ بنُ صَخْرٍ، ويُقَالُ سَلمَةُ بنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيّ‏.‏

والعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، في كفّارَةِ الظّهَارِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن سلمان بن صخر الأنصاري‏)‏ هو سلمة بن صخر المذكور في الحديث المتقدم ‏(‏أحد بني بياضة‏)‏ بالنصب بدل من سلمان ‏(‏حتى يمضي رمضان‏)‏ قال الطيبي رحمه الله فيه دليل على صحة ظهار الموقت ‏(‏وقع عليها‏)‏ أي جامعها وفي رواية غير الترمذي قال‏:‏ كنت امرأ قد أوتيت في جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها‏.‏ فلما أصبحت غدوت على قوي فأخبرتهم خبري، وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري‏.‏ فقالوا‏:‏ والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك، فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم الخ ‏(‏فذكر ذلك له‏)‏ وفي رواية غير الترمذي‏:‏ فأخبرته خبري فقال لي‏:‏ ‏"‏أنت بذاك‏؟‏‏"‏ فقلت أنا بذلك‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أنت بذاك‏؟‏‏"‏ فقلت‏:‏ أنا بذاك‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أنت بذاك‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ نعم ها أنا ذا، فأمض في حكم الله عز وجل، فأنا صابر له ‏(‏أعتق رقبة‏)‏ ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة، وبه قال عطاء والنخعي وأبو حنيفة‏.‏ وقال مالك والشافعي وغيرهما لا يجوز ولا يجزئ إعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان‏.‏ وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف لا يصح ولكنه يؤيد اعتبار الإسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه قال لها‏:‏ ‏"‏أين الله‏؟‏‏"‏ قالت في السماء ‏"‏فقال من أنا‏؟‏‏"‏ فقالت‏:‏ رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فاعتقها فإنها مؤمنة‏"‏‏.‏ ولم يستفصله عن الرقبة التي عليه، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كذا في النيل وغيره، قلت فيه شيء فتفكر ‏(‏قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع‏)‏ وفي رواية غير الترمذي‏:‏ وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم ‏(‏قال أطعم ستين مسكيناً‏.‏ قال لا أجد‏)‏ في رواية غير الترمذي‏:‏ والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشاً ما لنا عشاء‏.‏ ‏(‏لفروة بن عمرو‏)‏ بفتح الفاء وسكون الراء البياضي الأنصاري شهد بدراً وما بعدها من المشاهد‏.‏ روى عنه أبو حازم التمار ‏(‏ذلك العرق‏)‏ بفتح العين والراء ويسكن ‏(‏وهو مكتل‏)‏ بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية‏.‏ قال في القاموس‏:‏ المكتل كمنبر زنبيل يسع خمسة عشر صاعاً انتهى‏.‏ وقال في النهاية العرق بفتح الراء زنبيل منسوخ من خوص‏.‏ وفي القاموس‏:‏ عرق التمر الشقيقة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منه الزنبيل أو الزنبيل نفسه ويسكن انتهى‏.‏ وهو تفسير من الراوي ‏(‏إطعام ستين مسكيناً‏)‏ أي ليطعم ستين مسكيناً، واحتج بهذا الحديث الشافعي على أن الواجب لكل مسكين مد فإن العرق يأخذ خمسة عشر صاعاً‏.‏ وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه‏:‏ إن الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر واحتجوا برواية أبي دواد فإنه وقع فيها‏:‏ فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكيناً‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وظاهر الحديث أنه لا بد من إطعام ستين مسكيناً ولا يجزئ إطعام دونهم‏.‏ وإليه ذهب الشافعي ومالك‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ انه يجزى إطعام واحد ستين يوماً انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ في الحديث دليل على أن كفارة الظهار مرتبة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع، وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة‏.‏ وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده محمد بن إسحاق‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن خولة بنت ثعلبة وهي امرأة أوس بن الصامت‏)‏ هذه العبارة ليست في بعض النسخ‏.‏ وأخرج حديثها أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وفي إسناده محمد بن إسحاق وهو رواه عن معمر بالعنعنة‏.‏

819- باب ما جَاءَ فِي الإيلاَء

‏(‏باب ما جاء في الإيلاء‏)‏ هو مشتق من الألية بالتشديد وهي اليمين والجمع ألايا وزن عطايا قال الشاعر‏:‏

قليل الألايا حافظ بيمينه *** فإن سبقت منه الألية برت

فجمع بين المفرد والجمع وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر أو أكثر‏.‏ ويأتي الكلام في ما يتعلق به عن قريب

1198- حدثنا الْحَسَنُ بنُ قَزَعَةَ الْبَصْرِيّ‏.‏ أنبأنا مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَة‏.‏ أنبأنا دَاوُدُ بنُ عَلِي عنْ عَامِرٍ، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ آلَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِه، وحَرّمَ‏.‏ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلاَلاَ، وَجَعَلَ في الْيَمينِ كَفّارةً‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أنس و أبي مُوسَى‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ عنْ دَاوُدَ، رَوَاهُ عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ وَغَيْرُهُ عنْ دَاوُدَ، عنِ الشّعْبيّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلاً‏.‏ وَلَيْسَ فِيهِ ‏(‏عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَائِشةَ‏)‏ وهَذَا أصَحّ مِنْ حَدِيثِ مَسْلمةَ بنِ عَلْقَمةَ والإيلاَءُ هو أنْ يَحْلِفَ الرّجُلُ أنْ لاَ يَقْرُبَ امْرَأَتَهُ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ فَأَكثرَ‏.‏ واخْتَلفَ أهْلُ العِلْمِ فِيه إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةَ أشْهُرٍ‏.‏ فقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏:‏ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعةُ أشْهُرٍ يُوقَفُ‏.‏ فَإِمّا أنْ يَفِيءَ، وإمّا أنْ يُطَلّقَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ مالِكِ بنِ أنَسٍ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصحْابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏:‏ إِذَا مَضَتْ أرْبَعةُ أشْهُر فهِيَ تَطلِيقَةٌ بَائِنةٌ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلُ الكُوفَةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ من الإيلاء أي حلف ‏(‏وحرم فجعل الحرام حلالاً الخ‏)‏ في الصحيحين أن الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه هو العسل‏.‏ وقيل تحريم مارية‏.‏ وروى ابن مردويه عن طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين‏.‏ وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏}‏ الاَية ومدة إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري واختلف في سبب إيلائه صلى الله عليه وسلم فقيل سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس‏.‏ واختلف أيضاً في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة‏.‏ وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً، قالوا فإن من أخرجه حلف على أنقص منها لم يكن مؤليا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي موسى‏)‏ لينظر ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه الحديث‏.‏ وفي الباب عن أم سلمة عند البخاري بنحو حديث أنس وعن جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه شهراً قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة‏)‏ وأخرجه ابن ماجه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وقفه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والإيلاء أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته أربعة أشهر وأكثر‏)‏ الإيلاء في اللغة‏.‏ الحلف وفي الشرع هو ما ذكره الترمذي فلو قال لا أقربك ولم يقل والله‏.‏ لم يكن مولياً‏.‏ وقد فسر ابن عباس به قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يؤلون من نسائهم‏}‏ بالقسم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وعبد بن حميد وفي مصحف أبي بن كعب‏:‏ للذين يقسمون‏.‏ أخرجه ابن أبي داود في المصاحف عن حماد ثم عند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي في الجديد‏:‏ إذا حلف على ترك قربان زوجته أربعة أشهر يكون مؤلياً‏.‏ واشترط مالك أن يكون مضراً بها أو يكون في حالة الغضب‏.‏ فإن كان للإصلاح لم يكن مولياً‏.‏ ووافقه أحمد وأخرج نحوه عبد الرزاق عن علي‏.‏ وكذلك أخرج الطبري عن ابن عباس وعلي والحسن‏.‏ وحجة من أطلق إطلاق قوله تعالى ‏{‏للذين يؤلون‏}‏ الاَية‏.‏ واتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه لو حلف أن لا يقرب أقل من أربعة أشهر لا يكون مؤلياً‏.‏ وكذلك أخرجه الطبري وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس قال‏:‏ كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين، فوقت الله لهم أربعة أشهر وعشراً‏.‏ فمن كان إيلاؤه أقل فليس بإيلاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏:‏ إذا مضت أربعة أشهر يوقف‏)‏ أي المولى يعني لا يقع بمضي هذه المدة الطلاق بل يوقف المولى ‏(‏فإما يفيء‏)‏ أي يرجع ‏(‏وإما أن يطلق‏)‏ وإن جامع زوجته في أربعة أشهر فليس عليه إلا كفارة يمين ‏(‏وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وسائر أهل الحديث كما ستعرف روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال‏:‏ إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق يعني المولى‏.‏ قال البخاري‏:‏ ويدكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الحافظ في الفتح من وصل هذه الآثار ثم قال‏:‏ وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث، إلا أن للمالكية والشافعية بعد ذلك تفاريع يطول شرحها، منها أن الجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق يكون فيه رجعياً، لكن قال مالك‏:‏ لا تصح رجعته إلا أن جامع في العدة‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ ظاهر كتاب الله تعالى على أن له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلاً فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي، فإذا انقضت فعليه أحد أمرين، إما أن يفيء وإما أن يطلق‏.‏ فلهذا قلنا لا يلزمه الطلاق بمجرد مضى المدة حتى يحدث رجوعاً أو طلاقاً‏.‏ ثم رجع قول الوقف بأن أكثر الصحابة قال به، والترجيح قد يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر القرآن‏.‏ ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال‏:‏ لم يجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقاً ولو جاز لكان العزم على الفيء فيئاً ولا قائل به، وكذلك ليس في شيء من اللغة أن اليمين الذي لا ينوي به الطلاق تقتضي طلاقاً‏.‏ وقال غيره‏:‏ العطف على الأربعة أشهر بالفاء يدل على أن التخيير بعد مضي المدة، والذي يتبادر من لفظ التربص أن المراد به المدة المضروية ليقع التخيير بعدها‏.‏ وقال غيره‏:‏ جعل الله الفيء والطلاق معلقين بفعل المولى بعد المدة وهو من قوله تعالى ‏{‏فإن فاؤا‏}‏ وان عزموا‏.‏ فلا يتجه قول من قال أن الطلاق يقع بمجرد مضي المدة انتهى ما في فتح الباري‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏:‏ اذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة‏.‏ وهو قول الثوري وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد في موطإه‏.‏ بلغنا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أنهم قالوا اذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر قبل أن يفيء فقد بانت بتطليقة بائنة، وهو خاطب من الخطاب وكانوا لا يرون أن يوقف بعد الأربعة‏.‏

وقال ابن عباس في تفسير هذه الاَية ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم‏}‏ قال الفيء الجماع في الأربعة الأشهر وعزيمة الطلاق انقضاء الأربعة، فإذا مضت بانت بتطليقة ولا يوقف بعدها، وكان عبد الله بن عباس أعلم بتفسير القرآن من غيره‏:‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة انتهى ما في الموطإ‏.‏ قلت‏:‏ هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وقد عرفت أن مذهب أكثر الصحابة رضي الله عنهم هو ما ذهب اليه مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أهل الحديث‏.‏ ويوافقه ظاهر القرآن فتفكر والله تعالى أعلم‏.‏